GAMAL DIAB GAMAL DIAB
عدد المساهمات : 3051 تاريخ التسجيل : 08/02/2011 العمر : 33
| موضوع: سلسلة العالم ما قبل البعثة النبوية الشريفة 2011-06-15, 10:26 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
النهاردة برضه معايا موضوع يتكلم عن حال العالم ما قبل البعثة النبوية الشريفة للعالمين أجمعين وأيضاً هناك مواضيع تتحدث عن رسولنا الكريم وأخلاقه وصفاته وحقوق النبى ومكانة النبى والصلاة ع النبى وهدى سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم هيا حقاً سلسلة كبيرة فعلاً ومفيدة جدا أيضاً وهنتكلم موضوع موضوع وفى آخر الموضوع سوف أقول ما هو موضوع الحلقة القادمة بمشيئة الله تعالى .
وأول حلقة معانا :: حال العالم قبل البعثة النبوية الشريفة ::
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾ ... [الأحزاب:21]
بُعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والناس في ضلالة عمياء، وجاهلية جهلاء، والعالم يموج بألوان مختلفة من الشرك والظلم والتخلف والانحدار والبعد عن الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وفي صدارة العالم دولتان فقدتا مقومات البقاء، وانحدرتا إلى مستوى البهائم العجماء، فالفرس مجوس يعبدون النار، ويُحلون نكاح المحارم، ويغرقون في لُجِّيٍّ من الخرافات، والروم حرفت المسيحية، واعتنقت خرافة الثالوث، وعقيدة الصلب والفداء وباتت مُخترقة من عدة وثنيات أفلحت في إضلالها، ومن وراء هؤلاء يهود غضب الله عليهم لضياع الدين بينهم، واتخاذهم أحبارهم أرباباً من دون الله ، يحلون لهم ما حرم ويحرمون ما أحل، وهنود يُطبقون على عبادة العجول والأبقار، ويونان قد مسختهم الأساطير الكلامية والفلسفات المنطقية، وصدتهم عن سبيل الهدى وديانات أخرى كثيرة تنّشر هنا وهناك في أرجاء المعمورة، وتتشابه في أوصاف التخبط والانحلال والاضطراب والحيرة، وكان سبب شقاء هذه الحضارات المزعومة، والمدنيات المحرومة قيامها على أسس مادية فقط دون أن يكون لها أي تعلق بنور الوحي الإلهي، لا جرم أَنْ نظر الله لأي أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم إلا بقايا أهل الكتاب،كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهذه البقايا تتمثل في أفراد أبت أن تنزلق في أوحال الشرك وظلت ثابتة على منهج التوحيد منتظرة خروج نبي جديد بشرت به أنبياؤهم، وتعلقت به أحلامهم.
ولم يكن العرب أحسن حالاً من هذه الأمم، فقد بدّل لهم عمرو بن لُحِي الخزاعي ديانة إبراهيم الخليل التي كانوا يدينون بها، ومن ثم نُشر الشرك بين أهل مكة وخارجها، حيث كان أهل الحجاز أتباعاً لمكة لأنهم ولاة البيت وأهل الحرم، وبانتشار الوثنية بين العرب كثرة الخرافات الدينية التي أثرت بدورها في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية تأثيراً بالغاً.
* أما سياسياً:
فقد كانت أحوال القبائل داخل الجزيرة العربية مفككة الأوصال، تغلب عليها النزعة القبلية والطبيعة العنصرية التي يعبر عنها شاعرهم بقوله:
وهل أنا من غُزَيَّةٍ إن غوت غويت وإن ترشد غزيةُ أرشد؟
ولم يكن لهم ملك يدعم استقلالهم ، أو مرجع يلجئون إليه وقت الشدائد، ومع هذا فقد كان لهم نوع استقلال بخلاف البلاد المتاخمة للدول الكبرى، فقد كانت أشبه بالعبيد لديهم، فقد حكم الفرس العراق، وغلبت الروم على بلاد الشام، والأحباش على اليمن، وعاشت هذه الأقطار العربية انحطاطاً لا مزيد عليه، ومورست معها ألوان مختلفة من الظلم والاستبداد والقهر والعبودية. ذلك أن الدول المتسلطة على هذه الأقطار كانت ترى العرب عبيدا همجيين لا حضارة لهم.
* وأما أحوال العرب الاجتماعية:
فقد كانت في الحضيض الأسفل من الضعف والعماية، يُغير بعضهم على بعض فيقتل ويسبى، ويخوضون الحروب الطاحنة لأتفه الأسباب، يئدون البنات خشية العار، ويقتلون الأولاد خشية الفقر والافتقار، لا يتحاشون من الزنا، ولا يستحيون من الخرافات، ويعاملون المرأة كالسلعة المهينة نكاحاً وطلاقاً، ومعاشرة وإرثاً، ويستمرئون الجهل، ويُحَكِّمون العادات.
* أما أحوالهم الاقتصادية :
فقد تأثرت بالأحوال الاجتماعية فقد ساد الفقر والجوع والعري لانعدام الأمن، كما كانوا أبعد الأمم عن الصناعة لغلبة البداوة عليهم، وإن وجد شئ من الزراعة في بعض بلدانهم، وراجت التجارة في الأشهر الحرم، إلا أن الحروب الطاحنة والإغارات المستمرة كانت تلقي بظلالها على أي مظهر من مظاهر التنمية.
* وأما أحوالهم الخلقية:
فقد كان فيهم من الدنايا والرذائل ما ينكره العقل السليم، لكنهم حافظوا على جملة من الأخلاق تميزوا بها عن سائر الأمم حينئذ كالوفاء بالعهد وعزة النفس ومضاء العزيمة وإباء الضيم والنخوة والمروءة والشجاعة والكرم وغير ذلك من الصفات التي شاع الفخر بها في أشعارهم.
والمتأمل لحالة العرب قبل الإسلام ، وحالة الأمم الأخرى من غيرهم يمكن أن يستنتج بعض الحكم التي كانت سببا في تشريفهم بحمل عبء الرسالة العامة، وقيادة الأمة الإنسانية والمجتمع البشري إلى أعظم الرشد وأبين الهدى.
- فمن حكمة اختيار العرب لهذه المهمة أنهم أقل الأمم حينئذ حضارة وأبعدهم عن المدنية، فهم قوم أميون كما وصفهم الله ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُم[الجمعة: من الآية2] إذ لو كانوا متحضرين كأهل المدنيات المجاورة من فرس ورمان ويونان لربما قال قائل : أنه انفعال حضاري وارتقاء مدني، بل شاء الله أيضاً ان يكون رسول هذه الأمة أمياً كذلك تأكيداً لذات المعنى ﴿ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ﴾[العنكبوت:48] لقد شاء الله أن تكون معجزة النبوة والشريعة واضحة في الأذهان لا لبس فيها.
- ومن حكمة اختيار العرب لمهمة قيادة البشرية حفاظهم على الأخلاق التي لم تعرف لغيرهم على هذا النحو خصوصاً : الوفاء بالعهد وعزة النفس ومضاء العزم إذ لا يمكن لأي أمة بدون هذه الصفات أن تحمل أمانة أو تتحمل مسؤولية ولا يمكن قمع اشر والفساد ، وإقامة العدل والخير إلا بهذه القوة القاهرة وبهذا العزم الصميم والذي خلت منه الأمم الأخرى. وقد ظهر هذا البرهان العملي من خلال المواجهات التي ثبتوا فيها أمام العالم أجمع وتحدوا فيها أرقى الأمم حضارة، وأكثرها عددا وأمضاها سلاحاً لذلك أظهر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ اعتزازه بالمشاركة في تعزيز مبادئ الحق وإقرار مكارم الأخلاق، وقد شهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حلف الفضول وكان في العشرين من عمره، وقد كانت رجولته ـ صلى الله عليه وسلم ـ في القمة بَيْدَ أن قواه الروحية وصفاءه النفسي جعلا هذه الرجولة تزداد بمحامد الأدب والاستقامة والقنوع. فلم تُؤثرَ عنه شهوة عارضة، أو نزوة خادشة، أو حكيت عنه مغامرة لنيل جاه أو اصطياد ثروة، بل على العكس بدأت سيرته تومض في أنحاء مكة بما أمتاز به عن أقرانه ـ إن صحت الإضافة؟ ـ من خِلالٍ عذبه، وشمائلَ كريمةٍ وفكرٍ راجحٍ ومنطقٍ صادقٍ ونهجٍ أمينٍ.
وفي الخامسة والعشرين من عمره ـ صلى الله عليه وسلم ـ تزوج خديجة أولى زوجاته وكان لها قدر وشرف ومنزلة في قومها فنفعها الله بهذا الزواج كما انتفع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بها، فقد كانت نعم الزوجة ومنها أنجب أولاده القاسم وعبد الله وقد توفيا قبل الإسلام وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة رضي الله عنهن.
وبعد زواج خديجة رضي الله عنها تابع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حياة العزلة وهجر ما كان عليه العرب من خمر ولغو وقمار وأوثان وأن لم يقطعه ذلك عن إدارة تجارته وتدبير معاشه والضرب في الأرض والمشي في الأسواق، وتأتي حادثة تجديد بناء الكعبة قبل البعثة بخمسة سنين لتكشف عما وصل إليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من مكانة أدبية بين قومه، فقد اختلفت قريش فيمن يستأثر بشرف وضع الحجر الأسود في مكانه فاتفقوا على تحكيم أول داخل من بني شيبة، فدخل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلما دخل هتفوا جميعاً: هذا الأمين ارتضيناه حكماً، فأمر بثوب فأخذ الحجر ووضعه في وسطه، ثم أمرهم برفعه جميعاً، ثم أخذه بيده الشريفة فوضعه مكانه! وتتابعة إرهاصات نبوته ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد أخذ يقترب من الربعين فكان يسمع تسليم الحجر عليه، وكان لا يرى رؤية إلا جاءت مثل فلق الصبح، وقد حُبب إليه العزلة والتعبد في غار حراء، حتى جاء اليوم المشهود، أسعد يوم في تاريخ البشرية كلها، لقد بُعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿1﴾ خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴿2﴾ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴿3﴾ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴿4﴾ عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾[العلق:1ـ5] .
الحلقة القادمة بمشيئة الله تعالى :: نشأة النبى صلى الله عليه وسلم ::
الحلقة الثانية :: نشأة النبى صلى الله عليه وسلم ::
ولد رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم في أشرف بيت من بيوت العرب، وفي هذا يقول كما في حديث مسلم: " إن الله اصطفى كنانة من ولد اسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم " ولمكانة هذا النسب الكريم لم تستطيع قريش أن تطعن على النبي صلى الله عليه وسلم من خلاله، بل وق أبو سفيان وهو يومئذ أشد أعداء النبي صلى الله عليه وسلم أمام هرقل وقد سأله عن نسب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هو فينا ذو نسب.
كما اقتضت حكمة الله تعالى أن ينشأ النبي صلى الله عليه وسلم يتيماً، فلم ير أباه، وسرعان ما لحقت به أمه في السادسة من العمر ثم جده في الثامنة، وهكذا نشأ بعيداً عن رعاية والديه، محروماً من عاطفتهما، لكن تولته عناية الله وحده، وكفى بالله وكيلاً ﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى ﴾ [الضحى:6] ولعل في يتمه صلى الله عليه وسلم أسوة للأيتام في كل زمان ومكان، إذ لو كان اليتيم شيئاً لما اختاره الله لنبيه وصفوته من خلقه صلى الله عليه وسلم.
وقد أمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم السنوات الأربع الأولى من طفولته في البداية في بني سعد، على عادة العرب من أهل الحضر الذين كانوا يسترضعون أبنائهم في البدو بعيداً عن تدليل الأمهات والجدات، فنشأ قوى البنية، سليم الحس، فصيح اللسان، جريء الجنان، يحسن ركوب الخيل على صغر سنه، قد تفتحت مواهبه على صفاء الصحراء وهدوئها وإشراق شمسها، ونقاوة هوائها.
وفي أثناء وجود بني سعد بن بكر ظهرت إرهاصات النبوة ودلائل اختيار الله له، وتهيئته للعصمة والوحي، وقد روى مسلم عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فأستخرجه فأستخرج منه علقه فقال: هذا حظ الشيطان منك! ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه، ثم اعاده إلى مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه - يعني مرضعته - أن محمداً قد قتل! فاستقبلوه وهو منتقع اللون " قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره" ولا شك أن التطهير من حظ الشيطان، إرهاص مبكر للنبوة، وإعداد للعصمة من الشر، وعبادة غير الله، فلا يحل في قلبه شيء إلا التوحيد الخالص، وقد دلت أحداث صباه على تحقق ذلك،فام يرتكب إثماً، ولم يسجد لصنم، رغم شيوع ذلك في قومه.
وقد تكرر شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم مرة أخرى ليلة الإسراء والمعراج تمهيداً لرقيه صلى الله عليه وسلم إلى حيث شاء الله من العلا، ولا شك أن جميع ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأمور الخارقة للعادة كشق الصدر ونحو ذلك مما يجب التسليم له دون التعرض لصرفه عن حقيقته، لأن قدرة الله صالحة لذلك وغيره، فلا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وأما المستشرقون ومن تأثر بهم من المسلمين من أصحاب المدرسة العقلية الذين يقدمون العقل على النقل، ويحسنون الظن بآرائهم وعقولهم رغم تفاوتها واختلافها، ويسيئون الظن بالوحي رغم ثبوته وصدقه وأن لم تبلغه عقولهم الشوهاء، فإن هؤلاء يكذبون بمثل هذه المعجزات الحسية كشق الصدر وغيره مما تكرر عشرات المرات من علامات نبوته صلى الله عليه وسلم ويقولون أنها أساطير، أو أمور معنوية على أحسن تقدير ! والعجب من هؤلاء لو قيل لهم إن طبيباً ألمانياً أو أمريكيا يشق صدر المريض ويعالجه بجراحة ناجحة لبادروا إلى التصديق ! أفي قلوبهم مرض ؟ أم ارتابوا ؟! وإذا كان اليتم قد ترك في صدر النبي صلى الله عليه وسلم أعمق الأثر خصوصاً وقد أرته الأقدار فقد أحبابه واحداً تلو الآخر وهو بعد في سن الطفولة , إلا أنه ألف تحمل المسئولية منذ صغره , ولم يتخلف عن المشاركة الإيجابية في الحياة, ولعل ضيق حال أبي طالب عمه الذي آلت إليه كفالته جعله يرعى الغنم لأهل مكة على قراريط وكأن الله أراد له أن يتدرب على رعاية البشر , وسياسة أمورهم منذ الصغر , فإنه ما من نبي إلا وقد رعى الغنم , والحكمة في إلهام الأنبياء رعي الغنم قبل النبوة أن يحصل لهم التمرن برعيها على ما يكلفونه من القيام بأمر أمتهم , ولأن في مخالطتها ما يحصل لهم الحلم والشفقة , لأنهم إذا صبروا على رعيها ، وجمعها بعد تفرقها في المرعى ونقلها من مسرح إلى مسرح ، ودفع عدوها من سبع وغيره كالسارق ، وعلموا اختلاف طباعها وشدة تفرقها ، مع ضعفها وإحتياجها إلى المعاهدة ألفوا من ذلك الصبر على الأمة ، كما أن في احتراف النبي نبوته صلى الله عليه وسلم لهذه الحرفة في هذه السن المبكرة بيان أهمية احتراف الشباب من سن مبكرة ، وأكلهم من عمل أيديهم كي ينشئوا على حمل المسئولية ، فليس من شأن الرجال أن يقعدوا ! وكما عالج النبي نبوته صلى الله عليه وسلم الرعي في صغره فقد صحب عمه في تجارته في الشام فاستفاد من تجارب السفر، والاحتكاك بالآخرين، والتعرف على أوضاعهم ، كما كان في ذلك مجاملة رقيقة ، ومشاركة لطيفة لعمه الحاني الذي كان له كالأب الشفيق فأراد أن يشعره بحرصه على رفع المعاناة عنه ومعاونته على تحصيل النفقة اللازمة .ورغم إعتزال النبي صلى الله عليه وسلم منذ نشأته لمظاهر الجاهلية المنتشرة في بيئته إلا أن ذلك لم يمنعه من المشاركة في الأمور العامة التي تدعو إلى القيم النبيلة وتترفع عن قبيح الفعال ، لا جرم أنه لا يتردد في حضور حلف المطيبين والذي عرف بحلف الفضول وفيه يقول صلى الله عليه وسلم " لقد شهدت مع عمومتي حلفاً في دار عبد الله بن جدعان ، ما أحب أن لي به حمر النعم ! ولو دعيت به في الإسلام لأحببت " وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم مبعوث بمكارم الأخلاق ، وهذا منها وقد اجتمع القوم لإقرار العدل والانتصار للمظلوم، فالقيم الإيجابية تستحق الإشادة بها ولو صدرت من أهل الجاهلية ومن حكم إختيار العرب لحمل رسالة الدعوة موقعهم الجغرافي المتميز بين دول العالم مما يسهل إنطلاق الرسالة إلى جميع الشعوب والدول المحيطة . وقد كان اختيار الله لهذه الأمة ليشرفها بمولد النبي صلى الله عليه وسلم منة عظيمة امتن بها عليهم﴿ لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾[آل عمران:164]
ولم ينسى العرب المسلمون هذه المنة ، بل راحوا يؤكدونها في كل مناسبة كما قال جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه عند النجاشي : " كنا أهل الجاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسئ الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقه، وأمانته، وعفافه فدعانا لتوحيد الله، وألا نشرك به شيئاً، ونخلع ما كنا نعبد من الأصنام. وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وأمرنا بالصلاة والصيام، وعدد عليه أمور الإسلام ، فقال جعفر : فأمنا به وصدقناه ، وحرمنا ما حرم علينا، وحللنا ما أحل لنا "
لقد حول رسول الله صلى الله عليه وسلم العرب بهذا الدين من رعاة غنم إلى هداة أمم ، فزالت غبرة الجاهلية عن آفاق الجزيرة كما تزول بقايا الليل أمام طلائع الشروق ، وصحت العقول العليلة , فلم تعد ترجو وتخشى إلا الله بعدما ظلت دهوراً تعبد أصناماً جامدة ، وسمع الأذان للصلوات يشق أجواء الفضاء خلال الصحراء التي أحياها الإيمان الجديد .
إن هذه الجزيرة الجديدة منذ نشا فوقها عمران لم تهتز بمثل هذه النهضة المباركة ، ولم يتألق تاريخها تألقه في هذه الأيام الفريدة من عمرها.
الحلقة الثالثة :: الوحى والدعوة السرية ::
لم يكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يستشرف للنبوة ولا يحلم بها، ولا خطر بباله يوماً أن يُدعى إلى حملها وبثها في العالم { وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} … (القصص: من الآية86) ما كان يدري ما الكتاب ولا الإيمان، وإنما كان يلهمه الله الخلوة للعبادة تطهيراً وإعداداً روحياً، ولو كان يستشرف للنبوة ما فزع من نزول الوحي عليه أول مرة ولما رجع إلى خديجة مضطرباً خائفاً يقول: (يا خديجة مالى؟ لقد خشيت على نفسي!) ولما احتاج إلى طمأنة خديجة ومن بعدها ورقة بن نوفل بأن الله لا يخزيه، وبأن الذي رآه في الغار هو الوحي الذي كان ينزل على موسى. لقد فوجئ محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو في غار حراء بجبريل أمامه يراه بعينه، حتى يتبين أنه شأن الوحي ليس أمراً ذاتياً داخلياً مرده إلى حديث النفس المجرد، وإنما هو استقبال وتلق لحقيقة خارجية لا علاقة لها بالنفس وبداخل الذات، وضمُّ الملك إياه ثم إرساله ثلاث مرات قائلاً في كل مرة: أقرأ يعتبر تأكيداً لهذا التلقي الخارجي، ومبالغة في نفي ما يدعيه محترفو التشكيك في الإسلام، والتلبيس على المسلمين من القساوسة المستشرقين، ومن سكن إلى آرائهم من الزنادقة المارقين المنتسبين إلى المسلمين، على أن شيئاً من حالات الإلهام، أو حديث النفس، أو الإشراق الروحي، أو التأملات العلوية لا يستدعي الخوف والرعب وامتقاع اللون ! ثم لو كان الوحي أمراً ذاتياً ـ كما يقول الزنادقة والمستشرقين ـ لما جاءت آيات في القرآن تعتب على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتلومه على بعض التصرفات! فلو كان الوحي أمراً ذاتياً ـ كما يقول الزنادقة والمستشرقين ـ لما خاطبه الله بقوله:{ فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} … (يونس:94) فلو كان الوحي أمراً ذاتياً لما سكت عن بعض إجابات السائلين، ولما عانى من إشاعة الإفك شهراً كاملاً يؤذي فيه عرضه حتى أنزل الله البيان. إن أمر الوحي معجزة خارقة للسنن الطبيعية، حيث تلقى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ القرآن الذي هو كلام الله بواسطة الملك جبريل، وقد أخبرنا بهذا. فأما المؤمنون فلا يترددون في قبوله ويقولون سمعنا وأطعنا وصدقنا وآمنا، وأما المستشرقون الزنادقة فلأنهم لا يؤمنون بنبوة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يُمكَّنوا من تفسير معنى الوحي، فوقعوا في الحيرة والتناقض والشك والارتياب، ولجئوا إلى الاتهامات القديمة التي سبقهم إليهم إخوانهم الجاهليون القدماء من أهل مكة الذين قالوا: إنما يعلمه بشر، وقالوا: إن هو إلا إفك افتراه وأعانه عليه قومٌ آخرون! وزاد المستشرقون في هذا العصر اتهامات مضحكة! كقولهم: إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تعلم من ورقة بن نوفل! ومرة يقولون: تعلم من بحيرا الراهب.وأظرف ما قالوا: تعلم من يهود مكة !! ومعلوم أن مكة لم يكن فيها يهود. وأن ورقة بن نوفل مات قبل أن يعاود الوحي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويأمره بالبلاغ! وأن لقاءه بحيرا الراهب كان ساعة أو ساعتين وهو غلام في الثانية عشر من عمره ! ولما لم يقتنعوا هم أنفسهم بحقيقة افتراءاتهم وشكوا في صوابها قالوا: لعل القرآن مقتبس من التوراة والإنجيل! ومعلوم أيضاً أن التوراة والإنجيل لم يترجموا إلا بعد قرون من وفاة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم لو ترجمت هذه الصحف في زمانه، فإن أميته تحول دون إفادته منها. ولقد فتر الوحي بعد هذه المرة الأولى التي كانت في غار حراء، ليحصل للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ التشوق إلى العودة بعد أن ثبت لديه الحقيقة أنه أضحى نبياً. ثم حمى الوحي بعد هذا وتتابع، وأول ما نزل بعد فترة الوحي { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ } … (المدثر:1 : 7) كانت هذه الأوامر المتتابعة القاطعة أذاناً للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأن الماضي قد انتهى بأن الماضي قد انتهى بمنامه وهدوئه وسلامه. وأنه أمام عمل جديد يستدعي اليقظة والتشمير، والأنظار والإعذار، فليحمل الرسالة وليوجه الناس، وليأنس بالوحي وليقو على عنائه، فإنه مصدر رسالته، ومدد دعوته وكأنه قيل له: إن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحاُ، أما أنت فمالك والنوم ؟ ومالك والراحة ؟ ومالك والفراش الدافئ ؟ والعيش الهادئ ؟ والنوم المريح ! قم للأمر العظيم الذي ينتظرك والعبء الثقيل المهيأ لك قم للجهد والنصب والكد والتعب، قم فقد مضى وقت النوم والراحة، وما عاد منذ اليوم إلا السهر المتواصل، والجهاد الطويل الشاق، قم فتهيأ لهذا الأمر واستعد. وقد قام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فظل قائماً بعدها أكثر من عشرين عاماً لم يسترح ولم يسكن ولم يعيش لنفسه ولا لأهله، قام وظل قائماً على دعوة الله، يحمل على عاتقه العبء الثقيل الباهظ ولا ينوء به، عبء الأمانة الكبرى في هذه الأرض، عبء البشرية كلها، وعبء العقيدة كلها، وعبء الكفاح والجهاد في ميادين شتى، عاش في المعركة الدائبة المستمرة أكثر من عشرين عاماً، لا يلهيه شأن عن شأن في خلال هذا الأمد منذ أن سمع النداء العلوي الجليل، وتلقى منه التكليف الثقيل، جزاه الله عنا وعن البشرية خير الجزاء. لم تكن الدعوة علنية في بادئ الإمر، بل قامت على الاصطفاء، فلم يعرض النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دعوته في السنوات الأولى إلا على ألصق الناس به ممن يتوسم قبولهم، وممن لم تخالجهم ريبة في تصديقه، فآمنت خديجة زوجته، وعلى بن أبي طالب، وكان غلاماً في كفالة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ معونة منه لعمه ورداً لجميله، وآمن زيد بن حارثة مولاه، وأبو بكر صديقه الحميم ثم نشط أبو بكر في الدعوة إلى الإسلام بين أقاربه، ومعارفه، وأهل ثقته ومودته، حتى لقد دخل في الإسلام ببركة دعوته ستة من العشرة المبشرين بالجنة عثمان، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاس، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح، فضلاً عن غيرهم من المسلمين، ومن بعدهم. ومن خلال علاقات هؤلاء وغيرهم أخذ الإسلام ينتشر في مكة وغيرها مع أن الإعلام به كان يقع على استخفاء، ودون مظاهرة في التحمس المكشوف أو التحدي السافر، إذ كانت طبيعة المرحلة تقتضي مثل هذه السياسة الشرعية من التكتم والسرية، لأن مكة كانت تمثل الزعامة الدينية للعرب، ولم بكن أهلها يسمحون لغيرهم من الممكنين أن ينازعهم في ذلك، فكيف بحفنة من الضعفاء والموالي ؟ . واستمرت الدعوة في هدوء وحكمة، وشاء الله أن تتغلل في جميع قطاعات المجتمع بين الأحرار والعبيد والرجال والنساء والشيوخ والشباب والأغنياء والفقراء ومن جميع بطون قريش، فلا تكاد تخلو عشيرة في مكة من شخص أو أكثر شاركوا في بناء هذا المجتمع الوليد الذي عُرف أصحابه بالسابقين الأولين والذين حفظ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لهم مكانتهم فلم يكن يُقدِّم عليهم أحد، وكان أكثر الذين استجابوا لدعوة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الضعفاء والموالي، وهم أقرب الناس إجابة لدعوة الرسل، لأنهم لا يصعب عليهم أن يكونوا تبعاً لغيرهم، أما أكثر الكبراء، وأهل الجاه والسلطان فيمنعهم الكبرُ وحب الجاه والرفعة عن الانقياد غالباً، وقد ترامت أنباء هذه الدعوة إلى قريش فلم تعرها اهتماماً، بل ربما لأنه حسبت محمداً أحد أولئك الديانين الذين يتكلمون في الألوهية وحقوقها كما فعل أمية بن الصلت، وعمرو بن نفيل وأشباههم وربما لأن المسلمين في هذه المرحلة لم يتعرضوا لعقائدهم وأصنامهم فلم تكترث بهم، إلا أنها سرعان ما توجست خيفة من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لذيوع خبره وامتداد أثره وأخذت ترقب على الأيام مصيره ودعوته، وبدا أن الصدام بات وشيكاً بين دعاة الحق وأدعياء الباطل { وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}... (يوسف: من الآية21). | |
|