GAMAL DIAB GAMAL DIAB
عدد المساهمات : 3051 تاريخ التسجيل : 08/02/2011 العمر : 33
| موضوع: قصص الأنبياء ((الجزء الأول)) 2011-06-15, 8:57 am | |
| آدم عليه السلام (1) السلام عليكم ورحمة الله وبركاته خلق الله الأرض والجبال والبحار والأنهار والحيوان والطير والشمس والقمر والسماء والنجوم. وخلق الله الملائكة، وكان خلق الأرض قبل خلق الإنسان.. "هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات وهو بكل شئ عليم..وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون" أراد الله أن يخلق آدم ويجعله خليفة في الأرض ، ولما قال الأمر للملائكة قالوا أتجعل فيها من يفسدها فقال لهم الله سبحانه وتعالى إني أعلم ما لا تعلمون. وخلق الله آدم من الطين وسواه وبعث فيه الحياة. وأراد الله لآدم أن يعرف ما لا يعرفه الملائكة ..فأوجد الله أنواع من الحيوان والطير والزروع وعرّف آدم على أسمائها وقال للملائكة أخبروني بأسماء هذه الأشياء فعجز الملائكة عن الإجابة وقالوا نحن لا نعرف إلا ما علمتنا ..فقال الله :يا آدم أخبرهم بأسماء هذه المخلوقات فأخبرهم آدم بما عجزوا هم عنه فتبين للملائكة فضل آدم والحكمة الإلهية من خلقه وهي إعمار الأرض أما الملائكة فهم ليسوا في حاجة إلى شئ مما في هذا الكون الأرضي فهم لا عمل لهم إلا عبادة الله فهم لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناسلون. "وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين..قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم..قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما تكتمون" (2) أمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم ،فسجدوا سجود الطاعة والإحترام لأمر الله ولكن إبليس وكان من الجن لم يطع الأمر ،فقد كان مغروراً وكان يعتقد أنه أفضل مخلوقات الله.سأله الله تعالى :ما منعك أن تسجد لآدم قال إبليس :أنا أفضل منه أنا مخلوق من النار أما هو فمخلوق من الطين ،غضب الله على إبليس وطرده من الجنة وقال له :إن عليك اللعنة إلى يوم القيامة قال إبليس :يا رب إمهلني حياً إلى هذا اليوم وسأعمل على إيذاء آدم وذريته وغوايتهم وأقودهم إلى المعصية ومخالفة أوامرك وأبعدهم عن طاعتك.قال له الله سبحانه وتعالى :لن يطيعك عبادي المؤمنين ولا تأثير لك عليهم ،أما من يطيعك فهؤلاء لا إيمان في قلوبهم ومصيرهم في النار. "قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين..قال أن خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين..قال فاخرج منها إنك رجيم..وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين..قال ربي فأنظرني إلى يوم يبعثون..قال فإنك من المنظرين..إلى يوم الوقت المعلوم..قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين..إلا عبادك منهم المخلصين..قال فالحق والحق أقول ..لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين" (3) عاش آدم وحيداً حتى تفضل الله عليه وخلق له زوجة من جنسه تؤانسه ويسكن إليها وتسكن إليه..وأمر الله آدم أن يسكن في الجنة هو وزوجته حواء يأكلا من ثمارها ويشربا من أنهارها بدون تعب ولا عمل ،ونهى الله آدم وحواء أن يقربا شجرة عينها لهما ،ووجه الله نظر آدم إلى كيد إبليس وحذره من خيانته فهو قد طرده من الجنة بسبب آدم لذا فإبليس يكره آدم وحواء ولا يحب لهما الخير. عزم إبليس أن ينتقم من آدم ويعمل على حرمانه من نعيم الجنة فذهب إلى آدم وقال له :هل أدلك على شجرة الخلد ومُلك لا يبلى وأشار إلى الشجرة التي نهاهما الله عن الإقتراب منها ولكنهما تذكرا تحذير الله لهما فابتعدا عن إبليس ،ولكنه لم ييأس وظل يحاول غوايتهما وحلف لهما إنه ما يريد إلا الخير لهما ..ولأنهما فطرا على الخير وأن لا أحد يحلف كذباً فصدقاه وأكلا من الشجرة المحرمة عليهما..وأحس آدم وحواء بفظاعة ما قاما به وندما على فعلتهما وطلبا من الله أن يغفر لهما فغفر الله لهما وأخبرهما أن زمن بقاؤهما في الجنة قد إنتهى ولابد من نزولهما إلى الأرض ليتسلما مهامهما الجديدة وهي إعمار الأرض وأمر إبليس بالنزول معهما وحذرهما من عداوته لهما ولأولادهما. خرج آدم وحواء من الجنة ونزلا إلى الأرض وبدآ القيام بالعمل للبحث عن الطعام والشراب والمأوى وهكذا تغير مجرى الحياة.. "وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين..فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين..فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم." بدأ نظام الحياة في الأرض وكان أول أولاد آدم وحواء قابيل وأخته ثم في العام الذي يليه هابيل وأخته ثم بدأت حكاية الأخوان قابيل وهابيل...
نوح عليه السلام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته (1) عمرت الأرض بأبناء سيدنا آدم وكثر الناس وأصبحوا شعباً عظيماً يعبدون الله ولا يسجدون لسواه . اشتهر من بينهم خمسة رجال طيبون ،عُرفوا بالصلاح والتقوى وطهارة القلب وكانت أسماؤهم :وَدّاً وسُوَعاً ويَغُوث ويَعُوق ونَسْراً ،أحب الناس هؤلاء الرجال الخمسة وكانوا يستمعون إليهم وإلى نصائحهم ويقتدون بهم وبأخلاقهم. ولما مات هؤلاء الرجال الخمسة حزن الناس عليهم حزناً شديداً وكانوا يتمنون أن يخلدوا في هذه الحياة ، وسوس إبليس للناس أن يصنعوا تماثيل لهم توضع في مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها وتسمى بأسمائهم ففعلوا. وكان الناس يذهبون إلى الأماكن التي نصبت فيها هذه التماثيل أما سكان الجهات البعيدة فإنهم كانوا يتجهون إلى هذه الأماكن يقضون أياماً يتبركون بهذه التماثيل ويسألون الله في هذه الأماكن المقدسة أن يغفر لهم ، فلما مات هؤلاء الرُحّل وجاءت أجيال أخرى بالغوا في تعظيم هذه التماثيل واعتقدوا أن آباءهم وأجدادهم كانوا يتوسطون بهذه التماثيل بينهم وبين الله . ولما شق على كبار السن السفر صنعوا تماثيل مثلها في بلادهم ، ثم نسي الناس أن هذه التماثيل للرجال الخمسة الطيبين وظنوها أصنام ، ثم اعتقدوا أنها آلهة ونسوا ربهم واتخذوا من دونه هذه التماثيل وعكفوا على عبادتها . "قال نوح ربِ إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا..ومكروا مكراً كبارا..وقالوا لا تذرن وداً ولا سوعاً ولا يغوث ويعوق ونسرا..وقد أضلوا كثيراً ولا تزد الظالمين إلا ضلالا" هؤلاء الناس أضلهم الشيطان وأغواهم ونسوا الله ولكن الله لاينسى عباده فاختار سبحانه لهدايتهم رجلاً نشأ بينهم كان فقيراً ولكنه كان نقياً طاهراً حفظه الله من شرور القوم وهو سيدنا نوح. (2) ذهب نوح إلى الطيبين من قومه وهم الفقراء يدعوهم سراً إلى عبادة الله وحده وترك الأصنام ،وأنذرهم أن من يعرض عن دعوته فإن الله سيعاقبه عقاباً شديداً ،فآمن به القليل منهم. ثم ذهب نوح بعد ذلك إلى أشراف قومه وحاول دعوتهم إلى ترك عبادة الأصنام ولكن لم يطعه أحد وقالوا له :ما نراك إلا بشراً مثلنا ،لن نؤمن بك ولن نتبعك ،لست بأغنانا ولست ملكاً ذا شأن أو عظيماً ذا مكانة إنما أنت فقير وما تبعك إلا الذين هم أراذلنا ، فإن كنت ترجو من دعوتك هذه مالاً فخذ من أموالنا وارجع إلى عبادة آلهتنا وآلهتك.قال لهم نوح :لاأسألكم عليه أجراً إن أجري إلا على الله وما أريد لكم إلا الخير.. ولكنهم تركوه وذهبوا عنه. "ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه إني لكم نذير مبين..أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم..فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشراً مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين..قال يا قوم أرءيتم إن كنت على بينة من ربي وءاتني رحمة من عنده فعمّيت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون..ويا قوم لا أسألكم عليه مالاً إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوماً تجهلون" ولكن سيدنا نوح لم يتطرق اليأس إلى قلبه ،بل عزم عزماً أكيداً أن يعود إلى نصحهم وهدايتهم وحاول معهم مرات ومرات ولكنهم ازدادوا عناداً واستكباراً ،وأصروا على عبادة آلهتهم ثم غطوا وجوههم بملابسهم حتى لا يبصروه ووضعوا أصابعهم في آذانهم حتى لا يسمعوه.وقال أحدهم :يا نوح لقد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين .قال نوح عليه السلام :إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين .ثم انصرف عنهم في حزن وألم. "قال ربي إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً..فلم يزدهم دعائي إلا فرارا..وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في ءاذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا..ثم إني دعوتهم جهارا..ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا..فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا" (3) وبينما هو في حزنه ويأسه إذ بالوحي ينزل عليه يطمئن نفسه ويستمع :لن يؤمن من قومك إلا من آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون. فهدأ نفساً واتجه إلى ربه يدعوه .غضب الله عليهم وأمسك عنهم المطر فأصاب الأرض قحطاً وامتنع الزرع عن النمووضاقت بهم سبل العيش واتجهوا إلى آلهتهم يدعونها فلا تستجيب ،فاتجهوا إلى نوح عليه السلام فقال لهم :استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأمول وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً.ولكنهم عموا وصموا وتمادوا في ضلالهم. يئس نوح من قومه فدعا عليهم وقال :رب لا تذر على الأرض للكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفارا.فاستجاب الله دعاءه .. "وأوحى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون..واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون..ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون..فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم" (4) أمر الله نوحاً أن يصنع سفينة كبيرة فقام هو ومن آمن معه بصنع السفينة وكان الكفار يمرون عليهم وهم يعملون في بناء السفينة فيستهزؤن بهم ولكن نوح عليه السلام كان صابراً على سخريتهم واستهزائهم ،وكانوا يقولون له :وأين الماء الذي تسير فيه سفينتك وكان يقول لهم سيكون ذلك قريباً. أتم نوح سفينته وجاء الموعد المحدود فأمره الله أن يحمل فيها أهله ، إلا زوجه فقد كانت عاصية كافرة ،ويضع فيها من كل حيوان وطير وزواحف وحشرات وحبوب مختلفة زوجين اثنين ذكراً وأنثى ،وأن يأخذ معه كل من آمن به لأن الله سيغرق الأرض. اطمأن نوح وهدأ وما هي إلا فترة حتى أظلمت السماء وهبت الرياح ونزل مطر غزير وتفجرت العيون من الأرض وعم الماء كل مكان فحمل السفينة ومن فيها وما فيها .رأى الكفار ذلك فأصابهم ذعر شديد وحاولوا اللجؤ إلى الجبال لتحميهم من الماء ولكن الماء أخذ يعلو ويعلو ويبتلع القوم الكافرين . "حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن ءامن وما ءامن معه إلا قليل ..وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها أن ربي لغفور رحيم" رأى نوح عليه السلام ابنه كنعان يصعد الجبل فقال له :يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين ،فقال كنعان :سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ،قال نوح :لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم.وابتلع الماء ابن نوح فدعا نوح ربه :رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين.فقال الله تعالى :يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين.فاستغفر نوح ربه واعتذر عما بدا منه من إلحاحه على الله أن ينجي ابنه . سارت السفينة بين الأمواج وغرق العصاةولم ينج إلا الذين آمنوا ،ثم أمر الله السماء أن تكف عن المطر وأمر الأرض أن تبلع الماء فرست السفينة على جبل الجودي. وأخيراً خرج المؤمنون وعاشوا في تلك البقعة من الأرض فعمروها ودبت فيها الحياة بعد هذا الطوفان العظيم . وهكذا انقضت حياة نوح عليه السلام بعد أن عاش ألف سنة إلا خمسين عاماً في جهاد عنيف وصبر طويل.
هود عليه السلام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته (1) رست سفينة نوح عليه السلام على جبل الجودي ،ولما جفت الأرض نزل المؤمنون منها يسعون للرزق ،فعمروا الأرض وتزوجوا وكثر عددهم وتفرقوا جماعات جماعات ،وكل جماعة اختارت لها مكاناً أقامت به وعاشت على خيراته. كان من هذه القبائل المهاجرة قبيلة يمتاز رجالها ونساؤها بضخامة الجسم وتسمى قبيلة عاد وهوإسم زعيمهم وكان ضخم شديد القوة ظل يسير بقومه حتى انتهى بهم إلى جبال الأحقاف ما بين اليمن وخليج عُمان حالياً. أعد قوم عاد لهم مكاناً للإقامة وزرعوا الأرض وكثرت الخيرات ،ومرت أعوام وأعوام فمات عاد وبقى قومه وأولاده وعاشوا في نعمة عظيمة وكان الله تعالى يرسل إليهم السحب بالأمطار فتروي الزرع والحيوان وتوافرت عندهم فواكه لم يوجد مثلها في أي مكان ،فعاش القوم وزادتهم هذه النعمة طولً وضخامة فكانوا ذوي بأس شديد ،وتركوا الأرض إلى الجبال فنحتوا لهم مساكن واسعة كبيرة وأنشأوا مصانع لتسوية الأحجار وصنعوا منها أدوات الحرب والصيد وكل ما يحتاجون إليه في أعمالهم ومعيشتهم. "كذبت عاد المرسلين..إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون..إني لكم رسول أمين..فاتقوا الله وأطيعون..وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين..أتبنون بكل ريع آية تعبثون..وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون..وإذا بطشتم بطشتم جبارين..فاتقوا الله وأطيعون" بمرور الزمن نسى قوم عاد عبادة الله ، وعبدوا الأصنام فصنعوا من الحجارة تماثيل كبيرة وكانوا يسجدون لها من دون الله ويقدمون لها القرابين كي ترضى عنهم وتسقط عليهم الأمطار وتمنع عنهم السوء..ثم بنوا مدينة كبيرة عظيمة عند سفح الجبل لم يخلق الله مثلها في البلاد ،وسموها إرم ذات العماد فكانت شوارعها متسعة وقصورها شامخة مزينة بأعمدة ضخمة ونقوش جميلة.وعاشوا على خيرات واديهم وكانوا يصيدون القوافل التي تمر بهم فيقتلون أصحابها وينهبون تجارتها . عاش في هذه المدينة رجل من قوم عاد اسمه هود ،ولكنه لم يكن مثلهم ،فنشأ بينهم نشأة الصالحين وكان محباً للخير والسلام وحاول نصحهم وسعى إلى إصلاحهم ولكنهم كانوا يسخرون منه . "ألم تر كيف فعل ربك بعاد..إرم ذات العماد..التي لم يُخلق مثلها في البلاد" (2) غضب الله على قوم عاد فمنع عنهم المطر عاماً كاملاً ،حتى جف الزرع ومات الحيوان ،فأصابتهم المجاعة ولم يزدهم ذلك إلا فساداً في الأرض وتقرباً للأصنام. وكان هود عليه السلام يحقّر أصنامهم ويحاول هدايتهم فيتركونه غاضبين عليه ويلجأون للأصنام يستسقون. اختار الله تعالى هود عليه السلام نبياً وبعثه رسولاً إلى قومه ليدعوهم لعبادة الله وحده لا شريك له ،ذهب هود إلى قومه ووجه إليهم كلامه :يا قوم إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعوني ..يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ،فهو الذي جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة وأمدكم بأنعم وبنين وجنات وعيون..يا قوم كيف تعبدون هذه الأصنام التي لا تنفع ولا تضر والتي كان يعبد مثلها قوم نوح من قبلكم فسلط الله عليهم الطوفان وأغرقهم جميعاً إلا من آمن به وعمل صالحاً. ثار قومه ووصفوه بالجنون وقالوا له :يا هود إنا لنراك في سفاهة ونظنك كاذباً ،فقال لهم هود عليه السلام :ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين لأبلغكم الرسالة بأن تعبدوا الله حتى يرزقكم الرزق الحلال ،وإن لم تفعلوا فسوف ينتقم الله منكم ،ولكن كان ردهم بسخرية :إن قوم عاد أشداء أقوياء لا يخشون أحد فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين. "وإلى عاد أخاهم هوداً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون..قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهةٍ وإنا لنظنك من الكاذبين..قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين..أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين..أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون..قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد ءاباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين" (3) ظل هود يدعو قومه إلى عبادة الله ،ويخوفهم غضبه وبطشه ،فصدقه قوم وآمنوا به ،وكذب به آخرون وسخروا منه ،فدعا هود عليهم .استجاب الله دعاء هود فحبس المطر ،واشتد الحر ،فذهبوا إلى آلهتهم يستسقون ويقدمون القرابين إليها ثم يعودون في حزن ،ويمرون على هود ومن آمن معه فيجدونهم في أمن وهدوء . أقبل القوم على هود يسألونه عما أصابهم ،قال لهم :لقد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب ..اتقوا الله يرسل السماء عليكم مدراراً ،ويزيدكم قوة إلى قوتكم ، فإن لم تؤمنوا به فسوف يعجل بنهايتكم .ما من دابة في الأرض إلا هو آخذ بناصيتها ،ثم يصب عليكم عذابه فيهلككم أجمعين. رأى الكافرون سحابة سوداء في نهاية الأفق ففرحوا وظنوا أن آلهتهم استجابت لهم .أما هود عليه السلام فأمره الله بأن يجمع المؤمنين من قومه ويذهب بهم إلى الجهة الأخرى من الجبل وامتثل هود للأمر وخرج من المدينة بقومه. (4) "وأما عاد فأُهلكوا بريحٍ صرصرٍ عاتية..سخرها عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيامٍ حسوماً فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية..فهل ترى لهم من باقية" كانت السحابة التي رأها قوم عاد ريحاً مدمرا،هبت عليهم فاقتلعت الأشجار وهدمت القصور وحملت العمالقة الكافرين وغرستهم في الأرض كأنهم أعجاز النخل .أما هود والذين آمنوا معه فقد لجأوا إلى كهف حماهم من هذه الرياح التي سخرها الله على الكافرين سبع ليالي وثمانية أيام متتابعة ..فإذا إرم ذات العماد أطلال خراب ولم يبق من آثار قوم عاد إلا تلك البيوت التي نحتوها في الجبال تشهد بظلمهم وسوء عاقبتهم. اتجه هود عليه السلام بمن آمن معه إلى حضرموت فعاشوا فيها يعبدون ربهم ما بقي من حياتهم . "وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد..واُتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عاداً كفروا ربهم ألا بُعداً لعاد قوم هود"
صالح عليه السلام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته (1) ثمود قبيلة كانت تسكن بالحجر وتقع بين الحجاز والشام وهي من القبائل التي تناسلت من ذرية قوم نوح عليه السلام وهم المؤمنين الذين أنجاهم الله من الطوفان..سكنت ثمود بوادٍ أرضه خصبة ،تنبع فيها عيون ويأتي نباتها بمحصول وافر عميم الخير ، وبنوا فيها بيوتاً وقصوراً وفي فجواتها وكهوفها نقروا مساكن رحبة فسيحة. عاشت ثمود في جنتهم هذه هانئين مترفين ،مضى عليهم الزمان وتتابعت الأجيال فأبطرتهم النعمة وأضلتهم عن سواء السبيل ،فأشركوا بالله واتخذوا لهم أصناماً يشركونها معه في عبادته ،حتى بعث الله لهم من بينهم نبيهم صالح عليه السلام. أمر الله سيدنا صالح بالخروج إلى قومه ودعوتهم إلى الإيمان وهدايتهم إلى طريق الحق ،ولكن سخر منه قومه وانصرفوا إلى لهوهم غير مبالين به. لم ييأس صالح عليه السلام فدأب على ملاحقة قومه بدعوته وثابر على نهيهم عن الإشراك بالله وحذّرهم عاقبة أمرهم ووجه نظرهم إلى أن الله هو الذي أنشأهم من الأرض واستعمرهم فيها ، فأنصت له نفر منهم واستجابوا له وآمنوا برسالته وكان أكثرهم من فقراء القوم ومستضعفيهم ،أما أشرافهم وكبراؤهم فقد طغوا وبغوا وأشاحوا بوجههم عنه.. "وإلى ثمود أخاهم صالحاً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب..قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجواً قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد ءاباؤنا وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب" وقال كبير منهم :أؤلقي الذكر عليه من بيننا ..إنه كاذب ،وبدأ هؤلاء المعارضون بالتأثير على الضعفاء الفقراء الذين تأثروا بدعوة صالح واتبعوه فقالوا لهم :لم اتبعتم صالحاً ؟ أجابوا :لأن صالحاً دعانا لما رأينا أنه الحق ،ونهانا عما تأكدنا أنه الباطل. قال القوم ساخرين :أعلمتم أن صالحاً مرسل من ربه ؟ أجاب المؤمنون :إنا بما أرسل به مؤمنون. قالوا وقد أحنقهم القول :إنا بالذي آمنتم به كافرون. ثم دعوا صالحاً وقالوا له :يا صالح لقد كنت فينا مرجواً قبل هذا ،أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا ؟قال سيدنا صالح :إنما بعثني الله إليكم لأخرجكم من ظلمات الكفر والضلال إلى نور الهداية والإيمان ولأجنبكم عذاب النار...هذه نعم كثيرة أنعم الله بها عليكم فاذكروها واعترفوا بفضله ولا تفسدوا في أرضه..قالوا له :أتطمع في مال أم في مركز بيننا ؟ قال :أني أدعوكم لوجه الله خالصاً لا أسألكم أجراً إنما أجري على الله الذي خلقني وخلقكم .قالوا : يا صالح إنك ساحر ما أنت ببشر مثلنا فقل لنا ما الذي يدلنا على أنك مرسل من ربك ؟ قال سيدنا صالح :ما هي البيّنة التي تريدون أن آتي بها لكم لتصدقوني ؟قالوا :ائتنا بناقة عشراء حمراء كحلاء كبيرة الحجم يشرب من لبنها كل أهل المدينة .قال صالح :سأسأل ربي وأدعوه أن يأتيني بهذه الناقة .
(2) دعا صالح ربه فاستجاب له وخرج القوم ينظرون إلى آية الله وناقته ..فصدقه وآمن معه القليل وبغى بعضهم ووصفوه بالساحر قال لهم صالح :هذه ناقة الله لكم آية فاتركوها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء وإلا أصابكم عذاب أليم..والماء قسمة بينكم وبينها :لكم شرب يومٍ ولها شرب يوم. "كذبت ثمود المرسلين..إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون..إني لكم رسول أمين..فاتقوا الله وأطيعون..وما أسألكم عليه من أجرٍ إن أجري إلا على رب العالمين..أتتركون فيما هاهنا آمنين..في جنات وعيون..وزروعٍ ونخلٍ طلعها هضيم..وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين..فاتقوا الله وأطيعون..ولا تطيعوا أمر المسرفين..الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون..قالوا إنما أنت من المسحرين..ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين..قال هذه ناقة لها شربٌ ولكم شرب يومِ معلوم..ولا تمسوها بسوءِ فيأخذكم عذاب يومِ عظيم" عاشت الناقة بين ربوعهم ،فكانت ترعى من كلأ الأرض وترد الماء في يومها المعلوم حتى إذا جاء اليوم الثاني اعتزلت الماء فيقبل الناس على الماء يأخذون منه حاجتهم لليوم واليوم الذي يليه ،ثم يقبلون على الناقة وقد أتت بفصيلها فيحلبونها ويشربون منه جميعاً..فرح الفقراء بالناقة وسخط عليها أغنياء القوم وشق عليهم أن يكون صالح هو هاديهم ،واتفقوا على قتل الناقة. أوحى الله إلى صالح ما أضمره القوم فجاءهم وقال لهم :لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم تُرحمون .فأشاح الذين كفروا عنه وقالوا له لقد تشاءمنا بك وبمن معك ،فقال لهم :تشاؤمكم على أنفسكم لو كنتم تعلمون.
"قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون..قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون..وكان في المدينة تسعة رهطٍ يفسدون في الأرض ولا يصلحون..قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون..ومكروا مكراً ومكرنا مكراً وهم لا يشعرون" (3) اجتمع تسعة من سفهاء ووقحاء المدينة ،عتاة قساة غلاظ القلوب وتشاوروا فيما بينهم كيف يختارون الشخص الذي يقتل الناقة. وجاء اليوم الذي حددوه لعقر الناقة وأتوها وهي على مورد مائها تشرب فأهوى أحدهم على ساقها بسيفه فخرت ساقطة على الأرض فطعنها في رقبتها فقتلها ، هلل الناس وقالوا :ليأتنا صالح بما وعدنا إن كان من المرسلين.. علم سيدنا صالح بما حدث فحزن حزناً شديداً وطلب من المؤمنين أن يدركوا إبن الناقة ولكن الأشقياء كانوا قد جروا وراءه وأدركوه وقتلوه. لما سمع صالح بعقر ابن الناقة قال :تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب وانصرف عنهم. "فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب..فلما جاء أمرنا نجينا صالحاً والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذٍ إن ربك هو القوي العزيز..وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين..كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثموداً كفروا ربهم ألا بعداً لثمود"
(4) ذعر القوم لما علموا أن أمامهم ثلاثة أيام فقط ،وجلسوا ينتظرون ما سيحل بهم..وجاء ما كانوا ينتظرون فما كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم من هول دويها جاثمون ،وقد زلزلت الأرض من تحتهم فصرعتهم الرجفة وهم ينظرون..وغادر صالح والذين آمنوا معه المدينة ونظر سيدنا صالح آسفاً وقال لقد حذرتكم وأنذرتكم ..لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين.
ابراهيم الخليل عليه السلام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته (1) بعد أن أغرق الله سبحانه وتعالى قوم نوح الكافرين بطوفانه العظيم ،خرج المؤمنون وتفرقوا في أرجاء الأرض وكونوا شعوباً وقبائل طغوا وبغوا ،وكان من هؤلاء الأقوام شعباً سكن بلاد الأهواز وفارس والعراق ،وكان عليهم ملك اسمه النمرود وكان واسع المطامع يود أن يجتمع له ملك الأرض ،ويتمني لو تنطوي تحت سلطانه الشعوب والقبائل. كان يقيم في أحد هذه القرى رجل يسمى آزر وصناعته النجارة وصنع التماثيل والأصنام التي يعبدها قومه ،يسويها من الخشب ويبيعها فيشتريها الناس ويضعونها في منازلهم يبركاً بها.جاء لهذا الرجل مولوداً جميلاً سماه أبوه إبراهيم .نما إبراهيم وكان دائم التأمل في الكون ،فكان يصعد إلى أحد الجبال ينظر إلى الشمس والمناظر الخلابة التي تمتد في الأفق ويسأل نفسه :ما هذه المخلوقات ؟ ولمن هي ؟ ومن صنعها ؟..وكان يحدث نفسه : لابد أن يكون لها خالق ..لابد لها من إله.. (2) كان إبراهيم يرى أباه يقوم يقطع الأشجار ويصنع منها التماثيل فسأله :ما هذا الذي تصنع يا أبي ؟قال له أبوه :هذه تماثيل لنعبدها.فقال إبراهيم :أتعبدون أصناماً تنحتونها بأيديكم من الحجارة والخشب ؟ عندئذٍ غضب آزر على إبراهيم ابنه ونهره بشدة .فذهب إبراهيم وأخذ يفكر ويستعرض ما سمعه من أبيه ويسأل نفسه من جديد :من هو الخالق ؟من هو الرب ؟..ولما جن عليه الليل لمح نوراً يلمع في وسط حلكة الظلام فصاح :لابد أن يكون هذا ربي .وظل بصره عالقاً به حتى غرب النجم وأفل ، فنكس رأسه حزيناً وقال :لا ،ليس هذا رباً ! إني لا أحب الآفلين.وبقى إبراهيم يراقب النجوم حتى بزغ القمر بنوره وجماله فقال :هذا ربي ..وظل شاخصاً إليه يتأمل نوره في خشوع ولكن بعد عدة أيام غاب القمر عن نظره فقال :لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين ! وانقضى الليل على إبراهيم وهو تائهاً في تأملاته وأفكاره. ثم طلعت الشمس بنورها الساطع فصاح إبراهيم فرحاً :هذا ربي هذا أكبر ،فلما غابت عند الغروب ولى وجهه شطر قوم أبيه وقال :يا قوم إني برئ مما تشركون... "وكذلك نُري لإبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين..فلما جن عليه الليل رءا كوكباً قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الأفلين..فلما رءا القمر بازغاً قال هذا ربي فلما أفل قال لإن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين..فلما رءا الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني برئٌ مما تشركون" ومرت الأيام على إبراهيم وهو يرى أباه ينفق وقته في صناعة التماثيل والأصنام فتتألم نفسه ويقول لأبيه :لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً ؟ فيُبهت آزر ويقول :أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم ؟ألم أنهك أن تتفوه بمثل هذا القول ؟ لئن لم تنته لأرجمنك .ولكن إبراهيم لم يعد مقتنعاً بهذه الأصنام وكان دائم الإستهزاء بها ،وكان يصعد على الجبل حيث يقضي يومه يتعبد لخالقه ويفكر فيه ليعرفه ويهدي قومه إليه. (3) فكر آزر في علاج يصرف به ابنه عما به فزوجه من سارة ابنة أخيه ، إلا أنها لم تستطع أن تبعد إبراهيم عن التفكير في خالقه. وبينماهو فوق الجبل كعادته يتأمل في مخلوقات الله أوحى له الله بالحق وأشاع في قلبه نور الإيمان فإذا به يصيح قائلاً :لقد عرفت ربي ..إن ربي جل جلاله لايُرى..إن ربي عظيم يحيط بكل شئ ويعلم كل شئ ويقدر على كل شئ ، وأتى إبراهيم قومه فقال : يا قوم إني برئ مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين. "إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين..وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئاً وسع ربي كل شئ علماً أفلا تتذكرون" وصار إبراهيم عليه السلام من ذلك الحين لا يكف عن نهي الناس عن عبادة الأصنام وحثهم على تركها ليعبدوا الله وحده ، وخشي أبوه أن يصيبه وأهله بسببه ضرر فصار يخاطب ولده باللين تارة ويزجره بالعنف تارة أخرى وإبراهيم ثابت على رأيه ويقول في رفق وحنان :يا أبت ، إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطاً سوياً..يا أبت لا تعبد الشيطان ، إن الشيطان كان للرحمن عصياً ..يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً. فينصرف أبوه عنه غاضباً ويهدده بالضرب والرجم إذا أصر على رأيه.. "واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقاً نبيا..إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا..يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطاً سويا..يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا..يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا..قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا..قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا" وفي يوم قال له أبوه ليحبب إليه الآلهة :يا بني إن لنا عيداً يقام فيه إحتفال عظيم ببيت الآلهة يحضره الجميع ، وأود ألا تتخلف عن مشاهدته وسترى عظمة الآلهة ، فيعجبك ديننا فتؤمن به. فلما جاء يوم العيد ، حمل الناس الطعام ليضعوه بين أيدي الآلهة وكان إبراهيم عليه السلام معهم كما أمره أبوه ،ولكنه تركهم وقال لهم إني مريض فاتركوني. عاد إبراهيم إلى بيت الآلهة بعد أن ذهب الناس إلى منازلهم فرأى بهو عظيم يتصدره صنم كبير وعلى جانبيه صُفت أصنام أصغر في الحجم ،وأمام هذه الأصنام وضع الناس الطعام الذي كانوا يحملونه. نظر إبراهيم عليه السلام إلى الطعام وقال مستهزئاً :ألا تأكلون ؟ما لكم لا تنطقون ؟ ثم وجد فأساً فأخذها وانقض بها على الأصنام ضرباً وتكسيراً حتى أتى عليها جميعاً ولم يبق إلا الصنم الأكبر فعلق الفأس في عنقه وترك المكان وانصرف. عاد القوم ليأخذوا الطعام بعد أن باركته الآلهة ، ولكنهم وقفوا في أماكنهم مبهوتين وتساءلوا من فعل هذا بآلهتنا ؟إنه لمن الظالمين. أجاب نفر منهم :سمعنا فتى يذكرهم يسمى إبراهيم . وأجمع القوم على إتهام إبراهيم لأنه كان دائم الإستهزاء بالآلهة ، فانطلقوا وأتوا بإبراهيم وسألوه :أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم ؟ قال وقد أشار إلى الصنم الكبير :بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون. وتشاور القوم فمنهم من قال إنه على حق ومنهم من نكس رأسه وقال : لقد علمت ما هؤلاء ينطقون. "ولقد ءاتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين..إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون..قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين..قال لقد كنتم أنتم وأباؤكم في ضلال مبين..قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين..قال بل ربكم رب السموات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين..وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين..فجعلهم جذاذاً إلا كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون..قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين..قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم..قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون..قالوا ءأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم..قال بل فعله كبيرهم هذافسألوهم إن كانوا ينطقون..فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون..ثم نُكسوا على رؤسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون..قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم..أفٍ لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون..قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين..قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم..وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين" قال لهم إبراهيم عليه السلام :أتحاجوني في الله وقد هداني ؟وأنشأ يقدم لهم الأمثال والبراهين على أن الله هو الحق فسأله الملك النمرود :ما هو إلهك قال إبراهيم :ربي هو الذي يحيي ويميت. فضحك الملك ساخراً :أنا أحيي وأميت ..آتي برجلين عملا عملا يستحق القتل فأقتل أحدهما وأعفو عن الآخر فأكون قد أحييته. قال إبراهيم :فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب. فبهت الذي كفر ، وأجمع القوم على حرق إبراهيم حياً وقالوا :حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين. وبدأالناس بجمع الحطب لإشعال النار. (4) أقيمت المحرقة لإبراهيم وأوقدت النار حتى توهجت واشتعلت ، وخرج أهل المدينة يشاهدون الحدث وجئ بإبراهيم محكم الوثاق يسير بخطا متزنة وقد أنزل الله على قلبه الهدوء والسكينة ..فألقي به في النار..وأمر الله النار بقدرته أن يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم. انفض الناس وظلت النار تأكل حطبها أياماً ثم انطفأت فإذا إبراهيم قائم لم يمسسه سوء ..وسارع الناس إلى إبراهيم يلمسونه ويتحسسونه غير مصدقين وقالوا له :لقد خُيل لنا أن معك في النار أحد فهل كان ذلك حقاً ؟ قال لهم إبراهيم :نعم ، كان ملك أرسله إليّ ربي ليطمئن قلبي. واتبع إبراهيم نفر غير قليل. (5) شكر إبراهيم ربه على ما أولاه من النعم ، وقال يناجي ربه :رب أرني كيف تحيي الموتى ؟ قال له ربه : أولم تؤمن ؟ قال إبراهيم :بلى ولكن ليطمئن قلبي .فأمره أن يأتي بأربعة طيور فيذبحها ويقطعها و يمزجها ثم يقسمها ويضع على كل جبل جزاً منها. فلما فعل إبراهيم ذلك قال له ربه :ادعهن يأتينك سعياً فدعا إبراهيم الطيور فجاءت إليه حية تسعى ..عندئذٍ شكر إبراهيم ربه العزيز الحكيم. اضطهد الكافرون إبراهيم ومن اتبعه وبالغوا في إيذاهم فعزم إبراهيم ومن معه على أن يخرجوا من ديارهم..فهاجر المؤمنون تاركين أهلهم وديارهم وإبراهيم يقول :سلام عليك يا أبي سأستغفر لك ربي ، إنه كان بي حفيا. "وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم"
إسماعيل الذبيح عليه السلام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته (1) خرج إبراهيم عليه السلام مهاجراً من بلده مع أتباعه من المؤمنين ، بعد أن أذاقه قومه من الإضطهاد والعذاب في سبيل دعوته إلى ربه ما أذاقوه. وكان بصحبة إبراهيم من أهله زوجته سارة ابنة عمه ، وابن أخيه لوط ، وكانا قد آمنا به وجابا معه البلاد فراراً من ظلم قومهم حتى نزلوا حرّان. ومكث إبراهيم ما شاء الله أن يمكث يدعو الناس إلى دين الله متحملاً في سبيل ذلك ألواناً مختلفة من الإضطهاد والأذى حتى رأى أن يخرج إلى مصر. ولكن لم يطب لسيدنا إبراهيم أن يقيم بمصر طويلاً وعاد إلى الشام ونزل منطقة السبع بفلسطين وعاش هناك مع زوجته وبسط الله له في الرزق ، ومرة أخرى عاد الكفار فاضطهدوه وآذوه فعزم على الهجرة من جديد إلى أطراف فلسطين .أما إبن أخيه لوط فتوجه إلى سدوم بالأردن حيث بعثه الله نبياً لأهلها. (2) مرت الأعوام على إبراهيم عليه السلام وزوجته حتى نالت منهما الشيخوخة وبلغا من الكبر عتيا من غير أن ينجبا ، وكان إبراهيم عليه السلام في شوق شديد إلى ولد صالح تقر به عينه ، وعرفت السيدة سارة هذه الرغبة فعزمت أن تزوجه من جاريتها هاجر. تزوج إبراهيم عليه السلام من هاجر وأنجبت غلاماً فرح به إبراهيم فرحاً عظيماً وأسماه إسماعيل..يقال أن السيدة سارة قد مس قلبها بعض الغيرة فأخذ إبراهيم عليه السلام زوجته هاجر وابنه إسماعيل وخرج بهما وظل يسير وهما معه حتى نزلوا بوادي مكة ، فأقام إبراهيم لهاجر وإبنها خيمة ، نظرت السيدة هاجر حولها فوجدت نفسها في مكان مقفر مجدب لا زرع ولا ماء ولا ناس فدهشت وتحيرت فيما دعا إبراهيم لإختيار هذا المكان لإقامتها هي وابنها فسألته : أأمرك ربك أن تتركنا هنا يا إبراهيم ؟ أجاب بنعم قالت :إذن توكل على الله ، فقد وكلتنا إلى من لايضيع عنده الرجاء.ودعا سيدنا إبراهيم ربه : "ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادٍغير ذي زرعٍ عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون..ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شئ في الأرض ولا في السماء" بقيت هاجر وابنها إسماعيل وحيدين ، لايؤنس وحدة هاجر إلا إيمانها بالله حتى فرغ ما لديها من ماء ، فتحيرت في أمرها وأمر ولدها وخرجت تسعى وتبحث عن ماء. سارت حتى صعدت جبل الصفا ووقفت تترقب لعلها ترى أحداً أو تنظر ماءً ولكنها لم تر شيئاً ، فرجعت وسارت حتى صعدت جبل المروة تستشرف فلم تر شيئاً ، ثم كرت راجعة إلى جبل الصفا ثم إلى المروة وهكذا أخذت في هرولتها هذه بين الصفا والمروة سبع مرات دون أن تعثر على الماء ، فرجعت إلى ولدها حزينة يائسة وهي تحسبه قد فارق الحياة من شدة العطش فوجدته يخبط الأرض بقدمه وقد نبع من بينها الماء ، فأكبت هاجر تسقي ابنها وارتوت هي أيضاً ثم أخذت تحبس الماء بيديها وتزمّه حتى لا ينساح في الأرض لتختزنه بقربها خوفاً من أن يتسرب في الرمال من غير جدوى ومن هنا أطلق على البئر اسم زمزم. (3) مكث إسماعيل وأمه زمناً وبدأت قوافل العرب ترد عليهما ذهاباً وإياباً وكانا يأخذان منهم حاجتهما من الطعام . وكانت عين زمزم التي تفجر ماؤها خير مرغّب للمارين في النزول بهما ، واستهوت العين إحدى القبائل وتُعرف باسم قبيلة جُرْهُم فاستأذنوا السيدة هاجر بالإقامة بجوارها فأذنت لهم وقد سرّها أن تجد أناس تطمئن إلى جوارهم وليتمكن إبنها إسماعيل من تلقي العلم على أيديهم ، وكانت أولى القبائل التي عمرت مكة ثم تلتها قبائل أخرى ، ولم يمض القليل حتى كان وادي مكة المجدب المقفر عامراً بالناس وقد حقق الله لهاجر وابنها دعوة سيدنا إبراهيم لهما حين سأل ربه :فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات. وأتى خليل الله يرى ما فعل الله بوديعته وفرح بهما وفرحا به وشكر الله على ما أولاه من نعم وعلى ما حباه وحباهما من عطف . ظل هذا حال سيدنا إبراهيم حتى أمره الله بذبح ابنه ، فقد رأى في نومه هاتفاً يأمره بذبح ابنه إسماعيل ، فهب إبراهيم عليه السلام من نومه مذعوراً واستعاذ بالله من الشيطان وعاود نومه فرأى نفس الهاتف مرة أخرى. ذهب إبراهيم عليه السلام إلى ابنه وقال له :يا بني إني أرى في المنام إني أذبحك فانظر ماذا ترى ؟ قال إسماعيل :يا أبت إفعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله صابراً . كان إسماعيل مؤمناً بربه مطيعاً لأبيه فلم يشك في أن ما يقوله والده هو أمر من عند الله. "وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين..رب هب لي من الصالحين..فبشرناه بغلام حليم..فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام إني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين" نام سيدنا إسماعيل ليذبحه أبوه وطلب منه أن يكون وجهه لأسفل حتى لا يرى أبوه وجهه فتدركه الرقة فتحول بينه وبين تنفيذ أمر الله ، ولم يكد سيدنا إبراهيم يسحب السكين على رقبة سيدنا إسماعيل حتى سمع منادياً ينادي :يا إبراهيم ، قد صدقت الرؤيا وافتد ابنك بكبش عظيم . نظر سيدنا إبراهيم فوجد كبشاً كبيراً له قرون ملتوية فعرف أن الله قد أرسله فداءً لابنه فذبح الكبش وركع شاكراً ربه . ألا ما أعظم ما بلاكما الله به يا إبراهيم ويا إسماعيل ..وما أعظم ما قدمتما من رضاء وتسليم.. "فلما أسلما وتله للجبين..وناديناه أن يا إبراهيم..قد صدّقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين..إن هذا لهو البلاء المبين..وفديناه بذبح عظيم..وتركنا عليه في الآخرين..سلام على إبراهيم..كذلك نجزي المحسنين..إنه من عبادنا المؤمنين" (4) كبر إسماعيل واشتهر بين جيرانه بالشجاعة والكرم والشهامة وقوة الإيمان والصبر على الشدائد.فلما ماتت أمه زوجه جيرانه فتاة من بينهم ، وأتى إبراهيم عليه السلام ليزور ولده وكان إسماعيل خارج الدار فلما خرجت له الزوجة سألها إبراهيم عليه السلام عن حالهما أجابت :إننا في شر حال وضيق شديد فقال لها عندما يعود زوجك فأقرئيه السلام وقولي له غيّر عتبة بابك ، وانصرف. فلما عاد سيدنا إسماعيل قالت له زوجته :جاء شيخ كبير وسألني عن معاشنا فأخبرته إننا في بؤس وضيق وشدة فطلب مني أن أقرئك السلام وأن تغيّر عتبة بابك ، فعرفه سيدنا إسماعيل وقال لزوجته إنه أبي وهويطلب مني أن أفارقك ،وطلقها وتزوج من أخرى وبعد فترة تكرر ما حدث مع الزوجة الأولى وسألها سيدنا إبراهيم نفس السؤال فقالت له :نحن بخير وفي سعة من الرزق ولله الحمد فطلب منها أن تقرئ زوجها السلام وأن تقول له أن يثبّت عتبة بابه ، فقد وجدها سيدة صالحة ورضى عنها سيدنا إسماعيل حين علم برضا أبوه عنها . "واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبيا..وكان يأمر أهله باصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا" (5) غاب إبراهيم عليه السلام عن إسماعيل عليه السلام ما شاء الله أن يغيب ثم أتاه فوجده جالساً بالقرب من بئر زمزم وكان سيدنا إسماعيل لم يغادر هذا المكان منذ أخذه أبوه مع أمه إليه. قال سيدنا إبراهيم لسيدنا إسماعيل :لقد أمرني الله بأمر هل أتعينني عليه ؟ قال إسماعيل :أعينك يا أبي في كل أمر قال له إبراهيم :فإن الله قد أمرني أن أبني ههنا بيتاً . شرع من فورهما في بناء بيت الله ، فجعل إبراهيم يبني وإسماعيل يتخير الأحجار ويناوله إياها وهما يرددان :ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم. ولما ارتفع البناء عن طوق إبراهيم ، جاء له إسماعيل بحجر وقف عليه ، وهذا الحجر موجود الآن بجوار الكعبة ويعرف بمقام إبراهيم ، وأتما البناء حتى لم يبق إلا مكان حجر فطلب إبراهيم عله السلام من إسماعيل أن يأتي له بحجر مميز يجعله علماً للناس فذهب إسماعيل يبحث عن الحجر ولما عاد وجد أباه يضع في الموضع الخالي حجراً أسود ولما سأله عنه قال :أتاني به من لم يكلني إليك. فرغ الخليل وابنه من بناء الكعبة ووقفا يدعيان :ربنا واجعلنا مسلمَيْن لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. وعلم الله إبراهيم وإسماعيل مناسك الحج وفروضه ليعلماها حجاج بيت الله وأمر الله إبراهيم.. "وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود" "وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق" ودعا إبراهيم ربه.. "وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلاً ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير" وبقى إسماعيل يرعى العهدة ثم أسلمها لذريته من بعده ..ومن نسل إسماعيل عليه السلام جاء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
يوسف الصديق عليه السلام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(1) عاش سيدنا إبراهيم مع زوجته سارة بأرض فلسطين ، وبينما هما بدارهما ذات يوم ، أقبل عليهما ثلاثة فتيان تبدو عليهم الوضاءة والطهارة وظنهم سيدنا إبراهيم ضيوفاً نزلوا عليه.
فرح إبراهيم عليه السلام بهؤلاء الضيوف فقام يعد لهم ما اعتاد أن يُعد وبالغ في الإحتفاء بهم لما بدا من مظهرهم من كرم الأصل فقام بذبح عجل سمين وقام بشويه هو وزوجته سارة وقدماه للضيوف ولكن الضيوف لم تتحرك أيديهم إلى الطعام ، فكرر سيدنا إبراهيم عليهم الدعوة ولكنهم لم يقربوا الطعام أيضاً. تعجب إبراهيم عليه السلام من أمرهم هذا ، فما تعود ذلك من الضيوف الذين يردون عليه ، وتوجس منهم خيفة فسألهم :من أنتم ؟ قالوا :لا تخف نحن رسل ربك أرسلنا الله لإهلاك قوم لوط. وقد جئنا إليكما لنبشركما بغلام اسمه إسحق ولنبشركما بأن إسحق سيعيش وينجب أولاداً وسيكون من أولاده يعقوب ، استولت على إبراهيم الدهشة وصكت سارة وجهها وقالت :يا ويلتا ، أألد وأنا عجوز وزوجي شيخ كبير ؟ ولما ذهب الروع عن سيدنا إبراهيم وهدأت نفسه سأل الفتيان :أتذهبون إلى قوم لوط الآن ؟ قالوا نعم وموعدنا معهم الصبح ، فجزع سيدنا إبراهيم على ابن أخيه لوط وسألهم وكيف ينجو لوط ؟ أجابوا نحن أعلم لننجينه وأهله إلا امرأته إنها من الهالكين لأنها لم تستجب لدعوته وأقرت قومها على ارتكاب المنكر. "هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين..إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال سلام قوم منكرون..فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين..فقربه إليهم قال ألا تأكلون..فأوجس منهم خيفةً قالوا لا تخف وبشرّوه بغلام عليم..فأقبلت امرأته في صَرّةٍ فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم..قالوا كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم..قال فما خطبكم أيها المرسلون..قالوا إنا أُرسلنا إلى قوم مجرمين..لنرسل عليهم حجارة من طين..مسومة عند ربك للمسرفين..فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين..فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين..وتركنا فيها آيةً للذين يخافون العذاب الأليم" (2) وصدقت البشرى وحملت سارة ووضعت إسحق فشكر إبراهيم عليه السلام ربه وقال :الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحق ، إن ربي لسميع الدعاء.
فرحت سارة بولدها ورزقت من بعده إلياس وكبر إسحق وإلياس ثم ما لبثت سارة أن ماتت ودفنت في حبرون وهي مدينة الخليل حالياً . تزوج إسحق وأنجب غلامين توءمين غير الإناث هما عيصو ويعقوب ، وما لبث أن كبر الأولاد فذهب يعقوب ليعيش
| |
|