αℓ _ αнℓαм
أهلا وسهلا بك فى منتديات αℓ _ αнℓαм
αℓ _ αнℓαм
أهلا وسهلا بك فى منتديات αℓ _ αнℓαм
αℓ _ αнℓαм
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
αℓ _ αнℓαм

αℓ _ αнℓαм
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 قصص الأنبياء ((الجزء الثاني))

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
GAMAL DIAB
GAMAL DIAB
GAMAL DIAB


عدد المساهمات : 3051
تاريخ التسجيل : 08/02/2011
العمر : 33

قصص الأنبياء ((الجزء الثاني)) Empty
مُساهمةموضوع: قصص الأنبياء ((الجزء الثاني))   قصص الأنبياء ((الجزء الثاني)) Icon_minitime2011-06-15, 9:06 am


يوسف العفيف عليه السلام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(1)
عاش سيدنا يوسف في قصر العزيز مكرّماً ، وكان يوسف أجمل من الجمال وأحلى من الحُسن ،وكان قوي البنية فكانت وسامته وقوته سبباً فيما رزئ به بعد ذلك من محن وما نزل عليه من بلاء .
وعزيز مصر لقب كان يطلق على وزيرها المتصرف في شؤنها ، وكانت زوجة العزيز شابة حسناء ذات فتنة وجمال ، رأت ما عليه يوسف عليه السلام من حسن فأعجبت به وحاولت أن تحرك عاطفته نحوها ولكن يوسف ما كان ليزيد في حضرتها على أن ينكس رأسه تأدباً وإنصرافاً عنها .عندئذٍ لم تجد زوجة الوزير بداً من أن تتغلب على حياءها وخجلها فتجملت بالملابس الجميلة وتزينت بالحلي النفيسة ودخلت على يوسف عليه السلام وهو في إحدى حجرات الدار وأغلقت من خلفها الأبواب وحاولت أن تغويه ولكن سيدنا يوسف ذكّرها بأنها زوجة العزيز الذي أكرمه وأحسن رعايته ولكن الغاوية لم ترتدع ، ولما حاولت مرة أخرى غوايته انتفض قائلاً :إنني لا أعصى ربي إنه لا يفلح الظالمون ثم ولى وجهه شطر الباب يبغي الفرار فلحقت به وتشبثت بقميصه فشقته من الخلف . وعند الباب وجدا زوجها فبادرته بالشكوى :ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلا أن يسجن أو يعذب عذاب أليم . وبرأت نفسها من هذا الموقف المريب واتهمت يوسف أشنع تهمه وانتقمت منه أشد انتقام بما أهانها بإعراضه عنها . وجد سيدنا يوسف نفسه يقول الحق :هي التي حاولت إغوائي وأسرعت ورائي فشقت قميصي ، فقالت المرأة وهي تبكي :بل شُق القميص وأنا أدفعه عن نفسي . وحضر المجلس إذ ذاك رجل من أقارب الزوجة وسمع ما تتهم به قريبته يوسف وكان رجلاً ذا فراسة وذكاء فقال فلننظر إلى قميصه إن كان قميصه قُد من الأمام فقد صدقت وهو من الكاذبين ، وإن كان قميصه شق من الخلف فقد كذبت وهو من الصادقين. وفحص قميص يوسف فوجد أنه قد شق من الخلف عندئذٍ قال الزوج لزوجته :هذا من مكرك ودهائك وكيدك ، إنكن معشر النساء كيدكن عظيم.
ثم نظر إلى يوسف قائلاً :يا يوسف لا بأس عليك أعرض عن هذا واضرب عنه صفحاً ولا تخبر به أحداً ، ثم التفت إلى زوجته ثانيا وقال لها :اذهبي واستغفري لذنبك وتوبي عن خطيئتك !!!!

(2)
انصرف يوسف وقد عصمه إيمانه بالله عن الإنزلاق إلى الغواية التي نصبها له الشيطان ، ذهب ليرعى أعماله التي ألقاها على عاتقه الوزير لأمانته ، وذهبت الزوجة لا لتستغفر لذنبها كما أمرها زوجها ولكن لتدبر حيلة أخرى تنال بها مأربها من يوسف الذي شغفها حباً.
تهامست نساء القصر وجواريه بما رأين من أمر زوجة العزيز وما فعله يوسف معها ، وشاع الأمر ولاكته ألسنة السيدات في مجالسهن ودار عليه حديثهن فقالت إحداهن : أما سمعتن ؟ امرأة الوزير تراود فتاها عن نفسه لقد شغفها حبه وقالت أخرى :إنا لنراها في ضلال مبين .
ووصل إلى سمع زوجة الوزير ما تتحدث به هؤلاء النساء عنها وما يأخذنه عليها ، فعولت على إحضارهن جميعاً لديها لتريهن يوسف الذي عذلنها فيه وترى ما سيكون منهن عند رؤيته ، وشرعت من فورها في تنفيذ خطتها لتمكر بهن كما مكرن بها .فوجهت الدعوة إلى هؤلاء السيدات ليحضرن إليها في يوم حددته لهن ، ثم أعدت لهن مجلساً ومتكأً ، حضرت النساء فأجلسن في المجلس المعد لهن من قبل وأمرت صاحبة الدار بإحضار الفاكهة وأعطت كل واحدة من الزائرات سكيناً لتقطع وتقشر بها الفاكهة ، وبينما هن منهمكات في تقطيع الفاكهة نادت زوجة العزيز على يوسف وأمرته بالخروج إليهن ، وعندما خرج يوسف عليه السلام على الزائرات أكبرنه وحبسن أنفاسهن دهشة وذهولاً وكانت السكاكين تقطع أيديهن بدلاً من الفاكهة بدون أن يشعرن وأخيراً أعلن إعجابهن بيوسف فقلن مأخوذات :حاش لله ، ما هذا بشر إن هذا إلا ملك كريم.
عندئذٍ تشفت زوجة الوزير فيهن وارتاحت نفسها لما أصابهن وقالت تبكتهن :فذالكن الذي لمتنني فيه ، قلن لها عاذرات :لا لوم عليك فيما فعلت ، قالت الزوجة متوعدة : لئن لم يفعل ويغرم بي لسوف أأمر بسجنه وليكونن من الصاغرين.واتجهت باقي النسوة إلى سيدنا يوسف محاولات إستمالته لهن فخرج يستنصر بالله ويستجير به قائلاً :رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه ، وإلا تصرف عني كيدهن أصبُ إليهن وأكن من الجاهلين.

(3)
لم يمض القليل حتى كان ما هددت به زوجة الوزير قد أضحى في حيز التنفيذ . ذهبت المرأة إلى زوجها ونار الغضب تتأجج في صدرها وقالت له :إن يوسف أشاع عني كلاماً سيئاً وصدقه الناس وبرهانهم على ذلك صفحك عنه ، فذهب الزوج المخدوع يسعى سعيه لعقاب يوسف واستشار الأقربين فيما ينبغي أن يعاقب به يوسف فأشاروا جميعاً بسجن يوسف .
وكما كان حب أبيه له سبباً في بلواه الأولى ، كان حب امرأة العزيز له سبباً في بلواه الثانية وإن تباين الحُبّان واختلف السببان.

(4)
وأُدخل يوسف السجن ودخل معه السجن فتيان . أحدهما رئيس الخبازين عند الملك والثاني رئيس سقاته ، وكانا قد اتهما بمحاولة قتل الملك فأودعهما السجن حتى ينظر في أمرهما . أتى هذان الفتيان إلى يوسف يوماً وطلبا أن ينبئ كل واحد منهما بتفسير حلم رآه في منامه . فقال الساقي :إني أراني أعصر خمراً وقال الخباز :إني أراني أحمل فوق رأسي خبزاً تأكل الطير منه ، وكان الذي دعا هذين الفتيين إلى أن يقصدا يوسف دون غيره لينبئهما بتأويل ما رأيا في منامهما ، هو ما شهداه من صلاحه وتقواه وسعة علمه.
"ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمراً وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزاً تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين..قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون"
واتت يوسف فرصة طيبة للدعوة إلى دين الله الخالص ونشر الرسالة حينما جاءه هذان الفتيان يستفتيانه فقال :لا أتيكما طعام إلا أنبأتكما به وبمرسله وسبب إرساله ، وهذا العلم مما علمني ربي وأنا لا أتبع ملة الناس الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وإنما أتبع ملة آبائي إبراهيم وإسحق ويعقوب فما كان لنا أن نشرك بالله ، وهذا من فضل ربي علينا وعلى الناس الذين يتبعوننا ولكن أكثر الناس لا يشكرون ويعبدون من دونه آلهة أخرى ، وكان المصريون يشركون مع الله غيره في عبادته ، فيعبدون الشمس ويعبدون رع والعجل أبيس وغيرها . قال يوسف : يا صاحبي..أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ؟ العبادة لله وحده هذا هو الدين الحق المستقيم ولكن الجهلة لا يعلمون..ثم قال يفسر للفتيين رؤيتهما :أما أحدكم فيسقي ربه خمراً وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه.
أراد الفتيان محاورة يوسف ومجادلته فيما أفتاهما به فقال لهما :قُضي الأمر الذي فيه تستفتيان.,ثم قال للذي يظن أنه ناج منهما وهو الساقي :إذا ما أُفرج عنك فاذكرني عند مولاك.
وانصرف الفتيان أحدهما مستبشر فرحاً ، والثاني متجهماً حزيناً. وما لبث أن جاء أمر الإفراج عن الساقي فقد ظهرت براءته ، أما الخباز فقد أُدين وصُلب كما تنبأ يوسف. وعاد الساقي يتولى عمله في قصر الملك وأنساه الشيطان ذكر يوسف عند مولاه الملك ولبث يوسف في السجن بضع سنين لا يذكره إنسان ولا يأبه به أحد.

(5)
وكان ملك مصر في ذلك الحين من الهكسوس وفي يوم رأى في منامه رؤيا أزعجته وحيرته ، فأحضر كبار رجال دولته وأحضر الكهنة والعرافين وأخذ يقص عليهم رؤياه.
إني رأيت في منامي سبع بقرات سمان جميلات ترتع بجوار النهر ، ثم رأيت سبع بقرات أخرى عجاف هزيلات قبيحات أتت إلى البقرات الأولى فأكلتها ، ثم رأيت سبع سنابل خضر في ساق واحدة وإذا سبع سنابل يابسات عَدَتْ على السنابل الخضر فأكلتها ..يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي ، قالوا وقد عجزوا جميعاً عن تأويل الرؤية ، إن رؤياك ما هي إلا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين.
وكان ساقي الملك يشاهد هذا الإجتماع فتذكر فجأة يوسف نزيل السجن فتقدم من الملك وقال : يا مولاي أنا أدلك على من يحسن تفسير رؤياك هو فتى صالح كان معي في السجن . قال الملك :اذهب إليه واستفته . وذهب الساقي إلى يوسف في سجنه وقال :يوسف أيها الصديق ، أفتنا في ....ثم قص عليه رؤيا الملك وقال :لقد آن الأوان ليعرف الناس علمك ومكانتك. فقال يوسف يفسر الحلم : سيأتي على مصر سبع سنين خصبة ، تجود الأرض فيها بالغلات الوافرة ، ثم سبع سنين مجدبات يجف فيها الزرع والضرع وتأتي على كل مل ادخر في سنوات الرخاء إذ يأكل الناس فيها جميع ما ادُخر وما خُزّن ، ثم قال للساقي ليطئن الملك وينصح أهل مصر : ثم يأتي بعد ذلك الرخاء فاقتصدوا في سنين الخصب السبع وادخروا ما زاد عن قوتكم من القمح في سنبله حتى إذا حل الجدب وجدتم في مخازنكم ما يمنع الجوع عنكم .
"يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون..قال تزرعون سبع سنين دأباً فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلاً مما تأكلون..ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلاً مما تحصنون..ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون"
عاد رئيس السقاة إلى الملك وأخبره بما قال يوسف ، وأعجب الملك بتأويل يوسف لرؤياه وأدرك أنه ذو علم وعقل وحكمة فطلب أن يحضروه إليه ليسمع منه بنفسه ، فذهب رسول إلى السجن وبلغ يوسف أمر الملك بإخراجه من السجن وهو يحسب أنه سيطير فرحاً للخروج من السجن وما كان أشد دهشته حين قال له يوسف : ارجع إلى مولاك فاسأله ما حقيقة النسوة اللاتي قطعن أيديهن فإني لا أحب أن أخرج من السجن إلا ومعي براءتي وعرّف هؤلاء النسوة للرسول دون ذكر إمرأة الوزير ضناً بشرفها وشرف زوجها الذي عاش في رعايته.

(6)
حضرت النسوة التي قطعن أيديهن إلى مجلس الملك فسألهن :ما خطبكن مع يوسف ؟ وما خطب يوسف معكن ؟قلن :حاش لله ما علمنا على يوسف من سوء .وأُحضرت زوجة الوزير وسُئلت فاعترفت بما كان منها وشهدت بما كان من يوسف فقالت :الآن ظهر الحق ، أنا التي عرضت نفسي عليه فاستعصم وأعرض عني ، وإني لأشهد على صدقه في غيبته وقد كدنا له جميعاً فاتهمناه وسجناه ولكن الله لا يهدي كيد الخائنين. ثم قالت تستغفر لذنبها : وما أبرّئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم .وظهرت براءة يوسف عليه السلام ، عندئذٍ قال الملك وقد أعجب كل الإعجاب بيوسف :ائتوني به أستخلصه لنفسي ، وأتوه بيوسف فقال له : يا يوسف لقد أصبحت اليوم عندنا في مكانة عالية ومنزلة رفيعة وقد وكلت إليك أمر البلاد لتعمل على رخائها وفوضت إليك إدارة المُلك فماذا ترى ؟ قال يوسف : اجعلني على خزائن الدولة إني حفيظ عليم .
وهكذا مكن الله ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء والله يصيب برحمته من يشاء ولا يضيع أجر المحسنين .
"وما ابرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم..وقال الملك ائتوني به استخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين..قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم..وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين".

يوسف على خزائن مصرعليه السلام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(1)
مكن الله ليوسف في الأرض يتبوأمنها حيث يشاء ،وذلك بعد أن وكل إليه ملك مصر إدارة المُلك لأمانته وكرم نفسه.
وكان أول همه بعد توليه الحكم أن يتفقد أحوال البلاد ليهئ ما يلزم لمقاومة الجدب المنتظر ، فأمر بإقامة المخازن الكبيرة لخزن الغلال والحبوب فيها .
ومرت سنوات الرخاء أنتجت الأرض فيها إنتاجاً طيباً وافراً ، وزّع منه على أفراد الشعب بحساب وقسطاس ثم حفظ ما تبقى من المحصول بما أعد له من معدات تحفظه من الفساد . وحلت السبع سنوات المجدبات ، قاشتد القحط في جميع أنحاء البلاد وعم مصر وغيرها من الأقطار القريبة منها ، فكان المصريون يأتون من جميع أرجاء البلاد ويقصدون قصر الملك يلتمسون أقواتهم فيكيل لكل فرد من الغلات كيل بعير .
وكان يفد مصر من فلسطين كل من استطاع إلى ذلك سبيلاً فيأخذ حاجته ويعود ، ومن ضمن من وفد من فلسطين إلى مصر لهذا الغرض إخوة يوسف عليه السلام ، فقد أرسلهم أبوهم يعقوب ليبتاعوا من خيرات مصر بعد أن أعوزهم الغذاء هناك .
جاءوا جميعهم ما عدا أصغرهم بنيامين فقد أبقاه أبوه معه وكان شقيقاً ليوسف من أمه.
فلما دخلوا مصر أتوا على قصر يوسف ليحصلوا على نصيبهم من الغلال ، وكان يوسف يتصدر المجلس فيقصد إليه كل من أراد الشراء ويدفع له ثمن ما سيأخذ من الحبوب فيأمر يوسف عماله فيكيلون لكل فرد نصيبه .
دخل إخوة يوسف على أخيهم ونظر إليهم فتبين من هيئتهم وثيابهم أنهم من بدو فلسطين ، ونظر إلى وجوههم فعرف فيهم إخوته الذين ألقوه في الجب منذ سنين ، أما هم فلم يعرفوه ولم ولن يخطر ببالهم أن يوسف قد بلغ إلى هذا المقام. رأى يوسف إخوته العشرة لأبيه أما بنيامين أخوه لأمه فلم يره معهم ، فتاقت نفسه إلى أن سألهم عنه فقال لهم في صوت عادي طبيعي لا أثر فيه للعواطف التي تضطرب في نفسه :من أنتم ؟ومن أين أتيتم ؟ وما مقصدكم ؟
"وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون..ولما جهزهم بجهازهم قال اءتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون إني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين..فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون..قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون"
قال كبيرهم نحن إخوة جئنا من فلسطين .قال يوسف ليستدرجهم :أجميعكم إخوة وأبناء رجل واحد وأم واحدة ؟ قالوا : نعم ،نحن جميعنا إخوة أبناء رجل واحد ولنا أخ آخر لأبينا بقى إلى جانب أبيه . فسألهم يوسف : وهل منعه أبوكم من المجئ معكم ؟ قالوا :نعم ليتسلى بقربه عن أخٍ له فقد منه منذ زمن طويل .قال : لو جئتم به معكم لأعطيناه مثلكم حمل جمل من الحبوب . وأمر يوسف عماله أن يملئوا أوعية إخوته وأن يأخذوهم إلى قاعة الضيافة ويقدموا لهم خير ما عندهم.
ولما أتوا ليوسف لأخذ أحمالهم استعداداً للرحيل قال لهم يوسف :إذا ما عدتم إلينا تستبضعون فأتوني بأخيكم من أبيكم يستبضع معكم . قالوا :يا أيها الوزير إن أبانا لا يسمح له بذلك . قال ولماذا ؟ ألا ترون إني أوفي الكيل وانا خير المضيفين ؟ فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون .
قالوا : أيها العزيز سنبذل لدى أبينا جهدنا حتى نقنعه .عندئذٍ أمر يوسف رجاله أن يضعوا في رحال إخوته وأوعيتهم في خفية منهم ما جاءوا به معهم من بضاعة ونقود وأن يجهزوهم بما يلزمهم في سفرهم ويعدوا لهم ما يحتاجون إليه في عودتهم بما أمل من وراء ذلك : لعلهم يعرفونها إذا عادوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون..فقد كان يخشى ألا يعودوا.

(2)
ورجع إخوة يوسف إلى أبيهم ومعهم أحمالهم فقالوا لأبيهم :لقد أعطى عزيز مصر لكل فرد منا كيل بعير ولكنه منع منا الكيل بعد ذلك إذا لم نحضر معنا أخانا بنيامين فأرسله معنا نكتل وإنا له لحافظون. قال يعقوب :هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على إخيه من قبل ؟ ولكن عنما فتحوا أمتعتهم التي أتوا بها من مصر وجدوا بضاعتهم التي ذهبوا بها على حالها لم تمس فقالوا :عجباً هذه بضاعتنا ردت إلينا ثم قالوا لأبيهم : يا أبانا هذه بضاعتنا ردت إلينا لم تنقص شيئاً ، فأي إكرام نريد فوق هذا الإكرام وأي إحسان نود من عزيز مصر فوق ما أحسن ؟ يا أبانا اسمح لأخينا أن يذهب معنا وسوف نحفظه ونزداد كيل بعير . وسكت يعقوب ولم يجب .
ومرت الأيام وزاد القحط بفلسطين واشتدت المجاعة على أهلها وأوشك الزاد الذي أتى به أبناء يعقوب على النفاد ، فألحوا على أبيهم أن يرسل معهم إلى مصر أخاهم بنيامين كي يعطيهم وزير مصر ما وعدهم إذا أحضروه .عندئذٍ قال أبوهم : لن أرسله معكم حتى تعطوني عهداً موثقاً بالقَسَم بالله على أن تشملوه برعايتكم ، فلما أعطوه العهد وأقسموا له بالله أن يعملوا به قال : الله على ما نقول وكيل .وتجهز الأبناء جميعاً ومعهم بنيامين وأخذوا معهم ما يوازي قيمة بضاعتهم السابقة التي ردت إليهم . ولما أزمعوا الرحيل أتوا لتوديع أبيهم فباركهم وزودهم بنصائحه ثم قال لهم يوصيهم :با بني إذا أتيتم مصر لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما نصائحي ووصاياي بمانعة عنكم شيئاً اراده الله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون .

(3)
وصل أبناء يعقوب إلى مصر ودخلوا من حيث أمرهم أبوهم وهم لا يعرفون حكمة ذلك ربما خاف عليهم يعقوب عليه السلام من نظرة حسد وهم الرجال الشداد .ولما دخلوا على يوسف قالوا له :يا أيها العزيز ، لقد أحضرنا معنا أخانا لأبينا كما أمرتنا حتى لا تمنع منا الكيل ، وأحضرنا بضاعة نعتاض بها كما أحضرنا عوضاً عن بضاعتنا في المرة الأولى حيث وجدناها في أمتعتنا بعد أن رجعنا إلى بلادنا . فقال لهم يوسف وقد ابتهجت نفسه لحضور أخيه :الآن ثبت عندي أنكم صادقون فانزلوا علينا ضيوفاً مكرمين . وأمر يوسف خدمه أن يعدوا للضيوف وليمة الضيافة وجلس هو مع أخيه بنيامين وقال له :ألا تعرفني ؟ أنا أخوك يوسف الذي فقدتموه منذ سنين وعرفه بنيامين وفرح فرحاً عظيماً وأمره يوسف ألا يخبر إخوته عنه .
واستعد الإخوة للعودة ، وما كادوا يذهبون بعيداً حتى سمعوا منادياً ينادي من خلفهم :يا رجال القافلة إنكم لسارقون . فأقبل إخوة يوسف على المنادي يستفسرونهم :ماذا تفقدون ؟ قالوا :نفقد صاع الملك الثمين الذي نكيل به ، ولمن يحضره مكافأة من القمح قدرها حمل بعير. فقال إخوة يوسف غاضبين :تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين ، قال رجال سيدنا يوسف وحرسه :فما جزاء السارق إن كنتم كاذبين ؟ قالوا : جزاؤه أن يؤخذ عبداً رقيقاً بما سرق .
ولما مثلوا ثانياً بين يدي يوسف ، أمر بتفتيش أمتعة إخوته واحداً بعد الآخر وبدأ بأمتعة إخوته الكبار حتى أتى إلى أمتعة بنيامين ففُتشت واستُخرج منها الصاع المسروق ، وحق على بنيامين أن يؤخذ عبداً وكان هذا هوالحكم الذي شرعه إخوته وارتضوه .
أما يوسف فقد كان هو الذي دس صاع الملك خفية في أمتعة أخيه .سخط الأخوة على أخيهم السارق واشتد غضبهم عليه ، فقالوا : إن يسرق فقد سرق أخٌ له من قبل ( يعنون يوسف إذ اتهمته عمته بالسرقة منها بحيلة لتأخذه في حضانتها وهو صغير) وسمعهم يوسف فأسرها في نفسه ولم يبدها لهم ، وقال :أنتم شر مكاناً والله أعلم بما تصفون.
وتقدم إخوة يوسف منه يستعطفونه ويسترحمونه ليترك أخاهم قائلين له :أيها العزيز إن له أباً شيخاً كبيراً فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين .قال يوسف : معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده حتى لا نكون من الظالمين .ولما يئس إخوة يوسف من أخذ أخيهم بطريق المبادلة انتحوا جانباً وقال كبيرهم :ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقاً من الله لتردن إليه بنيامين ، إلا أن تُغلبوا على أمركم ومن قبل قد فرطتم في يوسف . قالوا وماذا نفعل وقد غلبنا على أمرنا ألا نعود إلى أبينا ؟ قال :أما أنا فلن أبرح هذه الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله في شأني وشأن أخي وهو خير الحاكمين . قالوا : وماذا نفعل نحن ؟ قال : ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن إبنك سرق صاع الملك فاسترقّه العزيز عملاً بشريعتنا . قالوا له : إن أبانا لن يصدقنا وسوف يتهمنا بالتفريط في بنيامين كما اتهمنا بالتفريط في يوسف . قال أخوهم : إن لنا في حادث بنيامين شهود رؤية وسمع ، قولوا لأبيكم ابعث من يسأل أهل البلد الذي كنا فيه ، أو اسأل أهل القافلة التي أقبلنا معها ينبئوك بصدق قولنا وانه الحق اليقين.

(4)
عاد الإخوة التسعة إلى أبيهم وبقى كبيرهم في مصر ، فلما أخبروا أبيهم بما حدث ظن أنهم دبروا لأخيهم بنيامين أمراً كما دبروا لأخيه يوسف من قبل فقال لهم : بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً إنه هو العليم الحكيم . وأعرض عن أولاده وهو يقول :يا أسفاه على يوسف ، وانطوى على نفسه يبكي حتى ابيضت عيناه من كثرة الدموع فحُجب بصره ، وحاول أولاده أن يرفهوا عنه ويخففوا ما به وهم يقولون :أمازلت تذكر يوسف ، لسوف تؤذي نفسك ، فيقول يعقوب :إني لا أشكي حزني إلى أحد إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لم تعلمون . ثم يقول :يا بني ، اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من رحمة الله إنه لا ييأس من رحمة الله إلا القوم الكافرون .
خرج الإخوة من جديد يبغون مصر لعلهم يعودوا إلى أبيهم بأخيهم بنيامين ، فلما دخلوا على وزير مصر يوسف قدموا إليه بضاعتهم التي أتوا بها معهم ثمناً لما يأخذون من حبوب وكانت بضاعة قليلة النفع والقيمة وقالوا له شاكين سوء حالهم وحال أهلهم :يا أيها العزيز ، مسنا وأهلنا الضر من شر المجاعة التي أحاطت بنا ، وجئنا ببضاعة قليلة ليست بذات قيمة فلا تمنع عنا خيرك واوف لنا الكيل وتصدق علينا برد أخينا إلينا إن الله يجزي المتصدقين . قال لهم يوسف وقد رق قلبه لحالهم وحزن لما سمع ما حدث لأبيه بسبب حزنه على بنيامين :هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه ؟ ونظر الإخوة إلى يوسف مبهوتين ..إن عزيز مصر يعلم من أمرهم كل شئ ومن ملامحه ونبرات صوته خمنوا من هو قالوا يستفهمون :أئنك لأنت يوسف ؟ قال : أنا يوسف وهذا أخي الذي فرقتم بيني وبينه قد من الله علينا فجمع بيننا وأحسن إلينا إن الله لا يضيع أجر المحسنين . قالوا والخزي يغمرهم :تالله لقد آثرك الله علينا وفضلك عنا بما فعلنا من ذنب ، فاعف عنا إنا كنا خاطئين ، قال : لاتثريب عليكم ولا عقاب لكم عندي يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ، وخلع يوسف قميصه وأعطاه لإخوته قائلاً : اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيراً وأتوني به وبجميع أهلكم لتقيموا عندي آمنين.
وهكذا نبأ يوسف إخوته بأمرهم معه كما أوحى إليه من عند الله عندما ألقى به إخوته إلى غيابة الجب منذ سنين
"قالوا أءنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق الله ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين..قالوا تالله لقد ءاثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين..قال لاتثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين..اذهبوا بقيصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيراً وأتوني بأهلكم أجمعين"

(5)
عاد الإخوة إلى أبيهم وكان جالساً في ذلك الوقت مع نفر من آله ، فإذا به يرهف حواسه ويولي وجهه شطر هبوب الريح ثم يقول :إني لأجد ريح يوسف ، قال له من حوله : لانرى إلا أنك تتعلق بأوهام كاذبة .
ووصل الإخوة إلى الديار وسبقهم البشير يحمل قميص يوسف فألقى بالقميص على وجه أبيه فارتد بصره إليه. وأسرع أولاده يبشرونه بالفرحة الكبرى ويخبرونه بلقائهم مع يوسف ويعرفونه أنه أصبح وزير مصر والمتصرف في معظم شئونها ، قال لهم :ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون ، قالوا :يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين ، قال :سوف أستغفر لكم ربي إن ربي غفور رحيم ، وشدّ يعقوب وآله أجمعون رحالهم إلى مصر .
خرج يوسف للقاء أهله مرحباً وقال :ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين وأقيموا بها هانئين ، واصطحبهم إلى قصره وأصعد أبويه إلى العرش الذي يجلس عليه ليجلسهما بجانبه والتف إخوته من حوله وعندئذٍ خروا له جميعاً سجداً تحية له وتعظيماً على عادة أهل زمانهم.
ونظر يوسف إلى أبويه وإلى إخوته الأحد عشر فتذكر حلمه القديم الذي قصه على أبيه من قبل إذ رأى أحد عشر كوكباً والشمس والقمر يسجدون له فقال : يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً ، قال الأب :نعم يا بني كذلك اصطفاك ربك وعلمك من تأويل الأحاديث وأتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحق .قال يوسف متمماً لكلام أبيه :وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وأنقذني من الضيق وجاء بي إلى عرش الملك وجاء بكم من البدو . ثم قال يعلل سبب ما قاسوا من عذاب :وذلك بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي وأفسد ما بيننا من عاطفة الإخوة لولا لطف الله بنا إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم .ثم رفع يوسف رأسه إلى السماء يشكر ربه ويدعوه أن يتم نعمته عليه :رب قد آتيتني من المُلك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين .
"قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين..قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم..فلما دخلوا على يوسف ءاوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله ءامنين..ورفع أبويه على العرش وخروا له سجداً وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم"

موسى الرضيع عليه السلام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(1)
عاش يعقوب عليه السلام في رحاب فرعون مصر عيشة راضية مع أولاده وذريته بعد أن جمع الله شمله بابنه يوسف عليه السلام. وعمل إخوة يوسف في رعي الماشية كما كانوا في فلسطين وعاشوا في شبه عزلة عن المصريين .
ووافى الأجل يعقوب وحُمل إلى فلسطين حيث دفن هناك. وتعاقب على عرش مصر الفراعين ، وبنو إسرائيل أحرار في معاشهم حتى جاء الملك أحمس فحارب سلالة ملوك الهكسوس الذين كانوا يعرفون فضل سيدنا يوسف على مصر فطاردهم وشردهم. وتوالى بعد أحمس ملوك آخرين من الفراعنة حتى جاء ملك كان يكره بني إسرائيل وكان يسخرهم في أعمال العنف والقوة ويشدد عليهم ، وهكذا انتقل بنو إسرائيل في مصر من حال إلى حال ، ومع ذلك ظل بنو إسرائيل على قوتهم وذريتهم في تكاثر وازدياد.
فكر الملك المصري فلم يجد أصوب من أن يأمر بقتل كل من يولد من أبناء إسرائيل من البنين وبذلك يأمن تكاثرهم ثم يضمن انقراضهم ، فكانت الأم من بني إسرائيل إذا حملت أقيمت عليها الرقابة حتى إذا ولدت وكان المولود ذكراً انتُزع منها وقتل .
ولكن بعض المقربين إلى فرعون خافوا أن ينقرض بنو إسرائيل وبذلك لا يجدوا عمّال أذلاء يسخّرونهم في أعمالهم فنصحوا فرعون أن يخفف هذا الحكم على بني إسرائيل وذلك بأن يُقتل المواليد من بني إسرائيل سنة ويتركوا سنة وبذلك يبقى من بني إسرائيل العدد الذي يكفي لتسخيرهم في أعمال الدولة ويقل بما يضمن اتقاء جانبهم ويؤمن تمردهم.
مات الملك الفرعوني وجاء من بعده ابنه وزاد بغضه للإسرائيليين وذلك لأنه حلم حلماً فسره له المفسرون بأنه سيأتي من بني إسرائيل من يكون على يديه ذهاب سلطانه.

(2)
في ذلك الوقت كان عمران بن واهب أحد بني إسرائيل قد أنجب بنتاً أسماها مريم ، ثم قُتل من أبنائه الذكور من قُتل بأمر فرعون ، فلما جاء تخفيف الحكم بقتل الذكور سنة وتركهم سنة ، أنجب ولداً أسماه هارون ثم في العام الذي يليه حملت الأم ووضعت ولداً ذكراً تصادف في السنة التي يتم فيها قتل الذكور من بني إسرائيل . خافت الأم على وليدها ، ومرت الأيام عصيبة على الأم ، أوحى الله تعالى إلى هذه الأم وأرشدها إلى ما تفعل فنهضت وأحضرت صندوقاً خشبياً وطلته من الخارج بالقطران وأرضعت طفلها وضمته إلى صدرها بحنان ثم وضعته في الصندوق وقذفت به في النيل ، وأخذ الصندوق يبتعد عن الشاطئ ، ولكن الله كان قد وعدها أنه راده إليها وأنه جاعله من المرسلين .
طلبت الأم من ابنتها مريم أن تتبع الصندوق وسارت مريم بجوار الشاطئ حتى رسى الصندوق في مكان أمام قصر فرعون ، رأت مريم الوصيفات يجدن الصندوق ويحملنه إلى داخل القصر ووُضع الصندوق أمام زوجة فرعون ، واتسعت العيون حين فُتح الصندوق وكان به طفلاً يتحرك .
أُخرج الطفل من الصندوق واستقر بين أيدي آسية زوجة فرعون فنظرت إليه بعينين تفيضان رأفة وحنان . وصل نبأ ظهور الطفل إلى مسامع فرعون فأصدر الأمر بقتله فوراً ولكن السيدة آسية لم تسمح لأحد بنزع الطفل منها وتوجهت إلى فرعون تستعطفه ألا يقتله قائلة :قرة عين لي ولك ، لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً .
وهنا تسللت مريم منصرفة إلى أمها حاملة لها البشرى الطيبة ، وأصبح آل فرعون يطلبون المراضع للطفل الصغير ، واجتمعت المراضع بساحة القصر ولكن الطفل الصغير رفض أن يرضع من أي مرضعة ، حينئذٍ تقدمت مريم وقالت : هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون ؟ فلما أُذن لها أسرعت إلى أمها فأفضت إليها بالنبأ السعيد .وهرعت الأم إلى القصر وكادت للهفتها على طفلها أن تكشف سرها لولا أن ربط الله على قلبها وثبتها وضمت وليدها فأخذ في الرضاعة آمناً مطمئناً .
"وأوحينا إلى أم موسى أن ارضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين..فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين..وقالت إمرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً وهم لا يشعرون..وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً إن كانت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين..وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جُنُب وهم لا يشعرون..وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون..فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون"

(3)
سُمي الطفل موسى ، وعاش بين أحضان أمه وأحضان السيدة آسية التي كانت شديدة التعلق به ، أما فرعون فلم يتقبل وجود موسى في قصره وخاصة بعد أن علم أنه إسرائيلي .وفي يوم قام موسى الصغير بفعل ضايق فرعون فقد شد فرعون من لحيته بقوة حتى أن فرعون أمر بذبحه مرة أخرى ولكن السيدة آسية قالت له إنه صغير ولا يُسأل عن أفعاله وقالت لنختبره بوضع موقد به جمرات مشتعلة وإناء به ياقوتات ولنرى ماذا يفعل ، وأمسك موسى الطفل بجمرة وقذف بها سريعاً إلى فمه فتركت لديه لثغة استمرت معه .
شب موسى الإسرائيلي في قصر فرعون عدو بني إسرائيل ، ورُبي بين سمعه وبصره ، وعرف موسى ما يقاسيه بنو إسرائيل من فرعون ومن المصريين فآلى على نفسه أن يعمل على نصرتهم بما له من مكانة في قصر فرعون ، وقد آتاه الله حكماً وقوة ووهب له علماً وعُرف بين الجميع بنصرته للحق وإنصافه للمظلوم . وكان من عادات موسى أن يغادر قصر فرعون ويطوف بأرجاء المدينة متفقداً أحوال أهلها ، وفي يوم بينما هو في المدينة وجد فيها رجلين يقتتلان أحدهما مصري والآخر إسرائيلي ، فما كاد الإسرائيلي يرى موسى حتى استغاث به من ظلم المصري له وقسوته عليه فغضب موسى وتقدم من المصري لينهاه عما يفعله ، فلم يستمع إليه المصري فوكزه موسى وكزة أسقطته ميتاً ،وبُهت موسى لهذا الأمر وتولاه الندم على وكزه للرجل ونظر إلى ما فعل آسفاً وقال : هذا من عمل الشيطان ، إنه عدو مضل مبين ، ثم رفع رأسه إلى ربه قائلاً :رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي ، فغفر له الله ، فقال :رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيراً للمجرمين .
وبات موسى ليلته في المدينة وأصبح يترقب ما تسفر إليه الأمور ، ولما أصبح خرج يسير بإحدى طرقات المدينة فإذا به يلتقي بإسرائيلي الأمس يقاتل مصرياً آخر ، وما كاد الإسرائيلي يراه حتى صاح عليه يستغيث به . فغضب موسى لذلك غضبة شديدة وقال له :إنك لغوي مبين ، فقال له الإسرائيلي :يا موسى ، أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس ؟ إن تريد أن تكون جباراً في الأرض وما تكون أن تكون من المصلحين .
وانتشر قول الإسرائيلي في المدينة فعرف الناس أن موسى هو القاتل وعرف فرعون بالأمر فأمر بإحضار موسى للتحقيق معه فإن كان الأمر حقاً قُتل موسى ، وكان بمجلس فرعون رجل من أتباعه ولكنه كان يميل إلى موسى فأسرع يبحث عن موسى ليحذره وقال له : يا موسى ، إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج من المدينة إني لك من الناصحين ، ولم يجد موسى أمامه منجى إلا أن يغادر مصر هرباً من جنود فرعون فاتجه نحو الشرق يبغي أرض مدين التي تقع شمال خليج العقبة بين الحجاز والشام.

(4)
كانت هذه الأرض يسكنها قوم كفار ثم بعث الله لهم شعيب عليه السلام يهديهم ويرشدهم لعبادة الله الواحد ، ولكنهم صدوا عنه فأهلكم الله ونجا شعيب ومن معه وعمروا الأرض من جديد.
دخل موسى عليه السلام أرض مدين ونزل على مائها ليروي عطشه فوجد جماعة من الرعاة يستسقون لماشيتهم ، ووجد إلى جانب المنبع فتاتين تهشان على قطيع من الماشية ، فتقدم منهما يسألهما :ما خطبكما ؟ قالتا : لا نسقي حتى ينتهي الرعاة من سقيهم ، وأبونا شيخ كبير . فتقدم موسى بغنم الفتاتين إلى البئر وأزاح من طريقه الرعاة وسقى غنم الفتاتين فشكرتاه على شهامته فتركهما وذهب إلى شجرة قريبة يستظل بظلها ويقول :رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير. عادت الفتاتان إلى أبيهما مبكرتين فسألهما أبوهما في ذلك فأخبرتاه بما فعل موسى لهما فطلب من إحداهما أن تذهب إليه وتدعوه ليجزيه أجر ما سقى لهما .
فجاءت إحدى الفتاتين موسى تمشي على استحياء ، فلما بلغت مجلسه قالت في خجل : إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ، فنهض موسى ملبياً دعوة الأب .
وصل موسى إلى الأب الشيخ فسأله الشيخ :يا بني من أنت ومن أين أتيت ؟ فقص عليه موسى قصته واستمع الشيخ إلى حديث موسى عليه السلام فلما فرغ قال له :لا تخف لقد نجوت من القوم الظالمين ، وفكر الشيخ فيما يكافئ به موسى فقالت إحدى ابنتيه : يا أبت استأجره ، إن خير من استأجرت القوي الأمين ، فعرض الأب الأمر على موسى وقال له : يا بني إني أريد أن أزوجك إحدى ابنتي هاتين ، على أن ترعى لي غنمي وماشيتي ثماني سنين فإن أتممت عشراً فذاك مكرمة من عندك وما أريد أن أشق عليك ، فقبل موسى عرض الشيخ قائلاً : ذلك عهد بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا يُطلب مني أن ازيد عليه والله على ما نقول وكيل .
وتزوج موسى عليه السلام من إحدى ابنتي الشيخ وعاش في كنف صهره يرعى له غنمه ومصالحه في إخلاص وأمانة . ومرت السنون وانقضى الأجل الذي كان متفقاً عليه بين موسى وصهره وصار موسى حراً ويحق له أن يستقل بنفسه ولكنه فضل أن يظل يرعى شئون صهره فترة أخرى.
ثم اشتاق موسى عليه السلام إلى رؤية أهله فاستأذن صهره في أن يسير بزوجته وولديه إلى مصر متخفياً ليرى أهله. وخرج موسى متجهاً إلى مصر يسير حيناً ويحط حيناً حتى التبس عليه الأمر ولم يعد يدري أي طريق يسلك ،فحط بأهله حتى يصبح الصباح . وفجأة لاح لموسى من جانب جبل الطور وهج ونور ففرح وقال لأهله :امكثوا إني آنست ناراً لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار من يهدينا إلى طريقنا .
ذهب موسى عليه السلام إلى المكان الذي رأى به النار فلما وصل سمع صوتاً يناديه :يا موسى إني أنا الله رب العالمين..يا موسى إني ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى..
"وهل أتاك حديث موسى..إذ رأى ناراً فقال لأهله امكثوا إني آنست ناراً لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدىً..فلما أتاها نودي يا موسى ..إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى..وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى"
وخلع موسى نعليه ووقف خاشعاً بين يدي الله يستمع إلى ما يوحى إليه من آيات بينات ، ثم قال الله له :ائت القوم الظالمين قوم فرعون ألا يتقون ؟ قال موسى لربه :رب ، إني أخاف أن يكذبوني وأخاف أن يضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل معي أخي هارون ، ولهم عليّ ذنب فأخاف أن يقتلوني قال الله تعالى :ما تلك بيمينك يا موسى ؟قال :هي عصاي أتوكأعليها وأهش بها على غنمي ولي بها مآرب أخرى . قال الله :ألقها يا موسى ، فألقى موسى عصاه فإذا هي حية تسعى ، فلما رآها موسى تتحرك فزع منها وولى مدبراً فناداه ربه : يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين خذها سنعيدها سيرتها الأولى ، ثم قال له الله تعالى: يا موسى أدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء وفعل موسى ما أمره به ربه فإذا يده بيضاء ساطعة فقال له الله : فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوماً فاسقين . قال موسى رب إني قتلت منهم نفساً فأخاف أن يقتلوني وأخي هارون هو أفصح مني لساناً فأرسله معي فهو يُفهم عني ما لا يفهمون ، قال له الله تعالى :سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما ، ورجع موسى عليه السلام إلى أهله بنور أي نور وسار إلى مصر لينفذ ما أمر الله به.
الجزء الثاني : موسى والسحرة..

موسى والسحرة عليه السلام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

(1)
عاد موسى إلى مصر بأمر الله رسولاً إلى فرعون الذي طغى وبغى وجعل من نفسه إلهاً على شعبها ، وذهب موسى إلى أهله وفرح بهم وفرحوا به فرحاً عظيماً ، وحكى لهم ما حدث له عند جبل الطور وكيف اختاره الله تعالى رسولاً إلى فرعون..لقد تحقق لأمه ما وعدها الله به منذ سنين بعيدة وبعث الله ولدها موسى نبياً ورسولاً .
وأوحى الله لموسى وهارون أن :اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى ، ولا تغلظا له في القول حتى لا يثور وتأخذه العزة بالإثم فيتسبب في إذائهما ، وقال الرسولان : ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا فيستعجل عقابنا قبل أن يتنبه للصواب وقبل أن نقدم له المعجزة التي تدل على صدقنا وأن يطغى ، فقال الله :لا تخافا إني معكما أسمع وأرى ما يجري . وأمر الله موسى وهارون أن يطلبا من فرعون أن يرسل معهما بني إسرائيل جميعاً ليخرجاهم من مصر إلى حيث يعبدون الله بعياً عن الإضطهاد والذل والعذاب .
واستأذن موسى وهارون في الدخول إلى فرعون ، وقال له موسى عليه السلام :إني رسول رب العالمين فأنعم علينا وارسل معنا بني إسرائيل يعبدون ربهم ونكون لك من الشاكرين .سخر فرعون من قول موسى وقال له : ألم نربك بيننا وأنت صغير وبقيت معنا سنين طويلة وفعلت فعلتك بقتلك المصري وأنت من الكافرين ؟ قال موسى :فعلتها وأنا مخطئ ضال ففررت منكم لأني خفتكم فوهب لي ربي حكماً وجعلني من المرسلين . فسأله فرعون :فمن ربك يا موسى ؟ من رب العالمين ؟ قال موسى : ربنا الذي خلقنا وهدانا وجعل لنا الأرض ممهدة لنتخذ فيها مسالك وطرق وأنزل من السماء ماء فأخرج به أزواج من نباتات مختلفة ، ربنا رب السموات والأرض وما بينهما ، ربكم ورب آبائكم الأولين .فضحك فرعون والتفت إلى أهل مجلسه يقول :ألا تسمعون ؟ إن رسولكم الذي أُرسل إليكم لمجنون .
واستمر موسى في تعريف فرعون والحاضرين حقيقة الألوهية ومن هو الله الذي تجب عبادته فقال :رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون . وضاق فرعون بقول موسى فقال يهدد موسى غاضباً حانقاً :لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين . عندئذٍ لم يجد موسى عليه السلام بداً من أن يُظهر لفرعون آية الله فقال :هل تصدقني وتؤمن بي لو جئتك بمعجزة مبينة ؟ قال فرعون :فأت بها إن كنت من الصادقين . فألقى موسى على الأرض عصاه فإذا هي ثعبان يتحرك أمام الحاضرين ، وفزع فرعون وقومه ، ثم وضع موسى يده في جيبه وأخرجها يداً بيضاء مثل الثلج تشع ضياءً ، ثم أعادها إلى جيبه وأخرجها فعادت مثل ما كانت عليه من قبل . دهش الحاضرون ولما استردوا روعهم قاموا يقولون :إن هذا لساحر عليم . وقال موسى : أتقولون للحق لما جاءكم سحر ، يا فرعون إني رسول من رب العالمين حقيق عليّ ألا أقول على الله إلا الحق ، قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل . ولكن فرعون هز رأسه مكابراً وقال لقومه : هذا الساحر يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره ليكون له ولقومه الكبرياء في الأرض ، فبماذا تأمرون ؟ قالوا ابقه عندك وابعث إلى سحرة مملكتك فإن أتوا بما أتى بطلت دعواه وكذبت معجزته .فصاح فرعون يؤكد ألوهيته :ياأيها الملأ ، ما علمت لكم من إله غيري والتفت إلى وزير أشغاله وقال له :يا هامان ابني لي صرحاً عالياً لعلي أبلغ السموات فأطلع إلى إله موسى ، وإني لأظنه كاذباً فيما يدعيه.
وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصده عن سواء السبيل .
"قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين..فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين..ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين..قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم..يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون..قالوا أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين..يأتوك بكل ساحر عليم"

(2)
انصرف هامان لبناء الصرح الذي طلبه منه فرعون ، أما فرعون فقد بعث إلى السحرة من جميع أنحاء البلاد ، وطلع فرعون إلى السحرة فأطلعهم على أمره فقال له كبراؤهم :هل لنا أجر إن كنا نحن الغالبين ؟ قال : نعم وتكنون من المقربين لدينا .وفرح السحرة بما وعدهم به فرعون.
أرسل فرعون إلى موسى يدعوه لمواجهة السحرة ويطلب منه تحديد ميعاد يتقابل وأياهم فيه ، فكان جواب موسى : موعدكم ضحى يوم العيد. وفي اليوم الموعود أتى موسى وبصحبته أخوه هارون فوجد فرعون وكان السحرة قد حشروا في جانب من القاعة بسبب الإزدحام ، وقصد موسى إلى رؤساء السحرة وقال لهم : ويلكم لا تفتروا على الله كذباً فينالكم عذابه فقد خاب من افترى . ومال السحرة على بعضهم يتشاورون فقالوا : هذان ساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبان بطريقتكم المثلى فأجمعوا كيدكم جميعاً واتحدوا ليكون النجاح لنا . فلما انتهوا قالوا : يا موسى أتلقي أنت أولاً أم نلقي نحن ؟ قال موسى : بل ألقوا ما أنتم ملقون .قالوا : بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون..ثم ألقوا بعصيهم وحبالهم فخُيل لموسى والحاضرين أنها حيّات تتحرك ، وفرح فرعون ولمعت في عينيه نشوة النصر ، وأوجس في نفسه خيفة موسى ، فأوحى إليه الله : لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا ، إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى .
"قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين..قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم..وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون..فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون..فغُلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين"
زال عن موسى الخوف وألقى عصاه وهو يقول : إن الله سيبطل ما جئتم به من السحر إنه لا يصلح عمل المفسدين . واتجهت الأنظار إلى عصا موسى التي ألقاها، فإذا هي قد صارت حيّة كبيرة تلقم ما في الساحة من حيّات ، واتسعت العيون دهشة وشحب وجه فرعون ، لقد ظفر موسى وانتصر على السحرة ، ثم رأى فرعون ما هو أشد إيلاماً عندما اتجه السحرة إلى موسى يركعون بين يديه وقد ارتفعت أصواتهم يقولون :آمنا برب موسى وهارون . أما فرعون فلم يحتمل فصاح في غضب شديد يتهم السحرة ويهددهم :آمنتم قبل أن آذن لكم ؟! إذن هو مكر مكرتموه واتفاق اتفقتم عليه ..إنه لكبيركم الذي علمكم السحر..وعزّتي لأقطّعن أيديكم ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذباً وأبقى . فكان جواب السحرة : إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى . فصاح ينادي في الملأ : أنا ربكم الأعلى ، وأمر فرعون أن يساق السحرة إلى حيث ينفذ فيهم حكمه ، ولم يجزع السحرة بل أنزل الله على قلوبهم السكينة فكانوا يقولون :لا ضير من ذلك ..إنا إلى ربنا راجعون إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين ..ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين .
وترك إيمان السحرة بموسى أثراً في نفوس الحاضرين ، فمنهم من آمن ولكن لم يستطيعوا الجهر بسبب ما رأوه من عذاب موسى للسحرة ، ونالت السيدة آسية زوجة فرعون والتي ربّت موسى صغيراً نفس المصير فقد عذبها فرعون كي ترتد عن إيمانها بالله فكانت تقول:رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين و ارتضت الموت في سبيل ربها .

(3)
اجتمع رجال فرعون به وقالوا له: أوستترك موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويدعو الناس للإنصراف عنك ؟ فكان جواب فرعون : سوف نقتّل أبناءهم ونستحيي نساءهم ، أما موسى فسأقتله ، وهنا هب رجل كان قد صدق بموسى – هب يدافع ويجادل قومه :يا قوم أتقتلون رجلاً يقول ربي الله وقد جاءكم ببيّنات صادقة ؟ أتركوه فإن كان كاذباً فعليه كذبه وإن كان صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم ، إن الله لا يهدي من هو مسرف كذّاب ، يا قوم إن لكم القوة والمُلك اليوم في الأرض فمن ينصرنا غداً من بأس الله ؟ إني أخاف عليكم أن يصيبكم مثل الذي أصاب الأمم من قبلكم ، كقوم نوح وقوم هود وقوم صالح وغيرهم ، وما الله يريد ظلماً للعباد . لقد جاء يوسف إلى آبائكم من قبل بالبيّنات فما زالوا في شك من أمره حتى إذا مات قالوا لن يبعث الله من بعده رسولاً كذلك يضل الله من هو مكذّب مرتاب . غضب الحاضرون من كلام الرجل وحاولوا أن يدعونه للعودة إليهم وعبادة آلهتهم فقال لهم : يا قوم اتبعوني أهدكم سبيل الرشاد ، مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار تدعونني لأكفر بالله وأشرك به وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار . سمع فرعون هذا الكلام فصاح قائلاً : أليس لي حكم مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون ؟ أألقي عليه ذهب أم جاء معه الملائكة ؟ سخر الناس من كلام فرعون فما كان منه إلا أن أمر بتقتيل الأبناء واستحياء النساء .

(4)
نُفّذ حكم فرعون في أبناء بني إسرائيل فأسرع أهلهم إلى موسى يقولون له : أُوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد أن جئتنا . فقال لهم : استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء إني عذت بالله من هؤلاء الكفار عسى الله أن يهلكهم ويستخلفكم في الأرض التي وُعدتم بها . واتجه موسى إلى ربه يدعوه لنصرة بني إسرائيل : ربنا إنك أتيت فرعون وقومه زينة وأموالاً في الحياة فكفروا بك وضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا تهدهم للإيمان حتى تريهم العذاب الأليم ، ودعا هارون معه فأوحى الله إليهما أن قد أُجيبت دعوتكما .
حاول موسى أن يُنذر فرعون وقومه بأن الله سيصيبهم بعذاب أليم ولكنهم سخروا من
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://mazika1one.mam9.com
 
قصص الأنبياء ((الجزء الثاني))
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قصص الأنبياء ((الجزء الأول))
» قصص الأنبياء ((الجزء الثالث والأخير))
» حصريا محاضرات الطبعة الأولى في الجامعة الأمريكية والمنصورة الجزء الثاني " السياسة الخارجية" وتحميل مباشر
» انفراد وتحدي بالترجمة الإحترافية الكاملة : الجزء الثاني لفيلم الأكشن الأنمي المُنتظر Kung Fu Panda 2 2011 مترجم بجودة TS تحميل مباشر
» قصص الأنبياء كاملة من ادم عليه السلام الى محمد صلى الله عليهم السلام

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
αℓ _ αнℓαм :: المنتديات الإسلامية :: التاريخ الإسلامي-
انتقل الى: